﴿ساءَ مَثَلًا القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وأنْفُسَهم كانُوا يَظْلِمُونَ﴾

جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأنَّها جُعِلَتْ إنْشاءَ ذَمٍّ لَهم. بِأنْ كانُوا في حالَةٍ شَنِيعَةٍ

صفحة ١٨٠

وظَلَمُوا أنْفُسَهم.

والظُّلْمُ هُنا عَلى حَقِيقَتِهِ، فَإنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِما أحَلُّوهُ بِها مِنَ الكُفْرِ الَّذِي جَعَلَهم مَذْمُومِينَ في الدُّنْيا ومُعَذَّبِينَ في الآخِرَةِ.

وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِلِاخْتِصاصِ، أيْ ما ظَلَمُوا إلّا أنْفُسَهم، وشَأْنُ العاقِلِ أنْ لا يُؤْذِيَ نَفْسَهُ وفِيهِ إزالَةُ تَبَجُّحِهِمْ بِأنَّهم لَمْ يَتْبَعُوا مُحَمَّدًا ﷺ ظَنًّا مِنهم أنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ ويَغِيظُ المُسْلِمِينَ، وإنَّما يَضُرُّونَ أنْفُسَهم.

وجُمْلَةُ ﴿وأنْفُسَهم كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى الصِّلَةِ بِاعْتِبارِ أنَّهم مَعْرُوفُونَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ عِنْدَ النَّبِيءِ والمُسْلِمِينَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿ساءَ مَثَلًا القَوْمُ﴾ فَتَكُونَ تَذْيِيلًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها إخْبارًا عَنْهم بِأنَّهم في تَكْذِيبِهِمْ، وانْتِفاءِ تُفَكُّرِهِمْ مِنَ القَصَصِ ما ظَلَمُوا إلّا أنْفُسَهم.

وقَوْلُهُ ﴿كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٢] أقْوى في إفادَةِ وصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ مِن أنْ يُقالَ: وظَلَمُوا أنْفُسَهم، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] في سُورَةِ الأنْعامِ.