﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

هَذِهِ الجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْإنْكارِ في قَوْلِهِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، لِإفادَةِ أنَّ ضَلالَهم أمْرٌ قَدَّرَ اللَّهُ دَوامَهُ فَلا طَمَعَ لِأحَدٍ في هَدْيِهِمْ، ولَمّا كانَ هَذا الحُكْمُ حاقًّا عَلى مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّكْذِيبِ، وعَدَمِ التَّفَكُّرِ في حالِ الرَّسُولِ ﷺ، وعَدَمِ النَّظَرِ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ وما خَلَقَ اللَّهُ، وفي تَوَقُّعِ اقْتِرابِ اسْتِئْصالِهِمْ، كانَ المَحْكُومُ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ الِاهْتِداءِ فَرِيقًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ لِلنّاسِ وإنَّما يَنْفَرِدُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ ويُطْلِعُ عَلَيْهِ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، ويَنْكَشِفُ بَعْضُ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِ بَعْضِهِمْ عَلى الشِّرْكِ، وهَذِهِ هي المَسْألَةُ المُلَقَّبَةُ بِالمُوافاةِ عِنْدَ عُلَماءِ الكَلامِ.

وعَطْفُ جُمْلَةِ ﴿ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ عَلى جُمْلَةِ ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ﴾ لِلْإشارَةِ إلى اسْتِمْرارِ ضَلالِهِمْ وانْتِفاءِ هَدْيِهِمْ في المُسْتَقْبَلِ كَما وقَعَ في الماضِي.

وتَفْسِيرُ نَذَرُهم تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿وذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا﴾ [الأنعام: ٧٠]

صفحة ٢٠٠

فِي سُورَةِ الأنْعامِ وتَفْسِيرُ طُغْيانَ ويَعْمَهُونَ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.

وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ،: ”نَذَرُهم“ بِالنُّونِ وبِالرَّفْعِ، عَلى أنَّهُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ مِنَ الغَيْبَةِ إلى التَّكَلُّمِ.

وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ: بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ والجَزْمِ، عَلى أنَّهُ عَطْفٌ عَلى مَوْضِعِ ﴿فَلا هادِيَ لَهُ﴾ وهو جَوابُ الشَّرْطِ.

وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، ويَعْقُوبُ: بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ وبِالرَّفْعِ، والوَجْهُ ظاهِرٌ.