Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا وهم يُخْلَقُونَ﴾ ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ لَهم نَصْرًا ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾
هَذِهِ الآياتُ الثَّلاثُ كَلامٌ مُعْتَرَضٌ بَيْنَ الكَلامَيْنِ المَسُوقَيْنِ لِتَوْبِيخِ المُشْرِكِينَ وإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، مُخاطِبٌ بِها النَّبِيءُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والمُسْلِمُونَ، لِلتَّعْجِيبِ مِن عُقُولِ المُشْرِكِينَ، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأنَّهُ يَبْلُغُ مَسامِعَهم.
والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ والإنْكارِ.
وصِيغَةُ المُضارِعِ في ”يُشْرِكُونَ“ دالَّةٌ عَلى تَجَدُّدِ هَذا الإشْراكِ مِنهم. ونَفْيُ المُضارِعِ في قَوْلِهِ ”ما لا يَخْلُقُ“ لِلدَّلالَةِ عَلى تَجَدُّدِ نَفْيِ الخالِقِيَّةِ عَنْهم.
صفحة ٢١٦
وأصْلُ مَعْنى التَّجَدُّدِ، الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ المُسْنَدُ الفِعْلِيُّ، هو حُدُوثُ مَعْنى المُسْنَدِ لِلْمُسْنِدِ إلَيْهِ، وأنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ ثُبُوتٍ وتَقَرُّرٍ، فَيُعْلَمُ مِنهُ: أنَّهم لا يَخْلُقُونَ في الِاسْتِقْبالِ، وأنَّهم ما خَلَقُوا شَيْئًا في الماضِي، لِأنَّهُ لَوْ كانَ الخَلْقُ صِفَةً ثابِتَةً لَهم لَكانَ مُتَقَرِّرًا في الماضِي والحالِ والِاسْتِقْبالِ.وضَمِيرُ الغَيْبَةِ في ﴿وهم يُخْلَقُونَ﴾ يَجُوزُ عِنْدِي: أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ ”يُشْرِكُونَ“، أيْ: والمُشْرِكُونَ يُخْلَقُونَ، ومَعْنى الحالِ زِيادَةُ تَفْظِيعِ التَّعْجِيبِ مِن حالِهِمْ لِإشْراكِهِمْ بِاللَّهِ أصْنافًا لا تَخْلُقُ شَيْئًا في حالِ أنَّ المُشْرِكِينَ يُخْلَقُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، أيْ يَتَجَدَّدُ خَلْقُهم، والمُشْرِكُونَ يُشاهِدُونَ الأصْنامَ جاثِمَةً في بُيُوتِها ومَواضِعِها لا تَصْنَعُ شَيْئًا، فَصِيغَةُ المُضارِعِ دالَّةٌ عَلى الِاسْتِمْرارِ بِقَرِينَةِ المَقامِ.
ودَلالَةُ المُضارِعِ عَلى الِاسْتِمْرارِ والتَّكَرُّرِ دَلالَةٌ ناشِئَةٌ عَنْ مَعْنى التَّجَدُّدِ الَّذِي في أصْلِ المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ، وهي دَلالَةٌ مِن مُسْتَتْبَعاتِ التَّرْكِيبِ بِحَسَبِ القَرائِنِ المُعَيِّنَةِ لَها ولا تُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ ولا مَجازٍ لِذَلِكَ، ومَعْنى تَجَدُّدِ مَخْلُوقِيَّتِهِمْ: هو أنَّ الضَّمِيرَ صادِقٌ بِأُمَّةٍ وجَماعَةٍ، فالمَخْلُوقِيَّةُ لا تُفارِقُهم لِأنَّها تَتَجَدَّدُ آنًا فَآنًا بِازْدِيادِ المَوالِيدِ، وتَغَيُّرِ أحْوالِ المَواجِيدِ، كَما قالَ - تَعالى - ﴿خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦] فَتَكُونُ جُمْلَةُ ”وهم يُخْلَقُونَ“ حالًا مِن ضَمِيرِ ”أيُشْرِكُونَ“ .
والمُفَسِّرُونَ أعادُوا ضَمِيرَ ”هم يُخْلَقُونَ“ عَلى ”ما لا يَخْلُقُ“، أيِ الأصْنامُ، ولَمْ يُبَيِّنُوا مَعْنى كَوْنِ الأصْنامِ مَخْلُوقَةً وهي صُوَرٌ نَحَتَها النّاسُ، ولَيْسَتْ صُوَرُها مَخْلُوقَةً لِلَّهِ، فَيَتَعَيَّنُ أنَّ المُرادَ أنَّ مادَّتَها مَخْلُوقَةٌ وهي الحِجارَةُ.
وجَعَلُوا إجْراءَ ضَمائِرِ العُقَلاءِ في قَوْلِهِ ”وهم“ وقَوْلِهِ ”يُخْلَقُونَ“ وما بَعْدَهُ عَلى الأصْنامِ وهي جَماداتٌ لِأنَّهم نُزِّلُوا مَنزِلَةَ العُقَلاءِ، بِناءً عَلى اعْتِقادِ المَحْجُوجِينَ فِيهِمْ، ولا يَظْهَرُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ وجْهُ الإتْيانِ بِفِعْلِ ”يُخْلَقُونَ“ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِأنَّ هَذا الخَلْقَ غَيْرُ مُتَجَدِّدٍ.
والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِاللّامِ في ”لَهم نَصْرًا“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ، لِأنَّ المَجْرُورَ بِاللّامِ بَعْدَ فِعْلِ الِاسْتِطاعَةِ ونَحْوِهِ هو الَّذِي لِأجْلِهِ يَقَعُ الفِعْلُ مِثْلَ ”﴿لا يَمْلِكُونَ لَكم رِزْقًا﴾ [العنكبوت: ١٧]“
صفحة ٢١٧
وجُمْلَةُ ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ لَهم نَصْرًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ”ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا“ فَتَكُونُ صِلَةً ثانِيَةً.
والقَوْلُ في الفِعْلَيْنِ مِن ”لا يَسْتَطِيعُونَ“ ”﴿ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾“ كالقَوْلِ في ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا.
وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ في ﴿ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾ لِلِاهْتِمامِ بِنَفْيِ هَذا النَّصْرِ عَنْهم، لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى عَجْزِ تِلْكَ الآلِهَةِ لِأنَّ مَن يُقَصِّرُ في نَصْرِ غَيْرِهِ لا يُقَصِّرُ في نَصْرِ نَفْسِهِ لَوْ قَدَرَ.
والمَعْنى: أنْ الأصْنامَ لا يَنْصُرُونَ مَن يَعْبُدُونَهم إذا احْتاجُوا لِنَصْرِهِمْ ولا يَنْصُرُونَ أنْفُسَهم إنْ رامَ أحَدٌ الِاعْتِداءَ عَلَيْها.
والظّاهِرُ أنَّ تَخْصِيصَ النَّصْرِ مِن بَيْنِ الأعْمالِ الَّتِي يَتَخَيَّلُونَ أنْ تَقُومَ بِها الأصْنامُ مَقْصُودٌ مِنهُ تَنْبِيهُ المُشْرِكِينَ عَلى انْتِفاءِ مَقْدِرَةِ الأصْنامِ عَلى نَفْعِهِمْ، إذْ كانَ النَّصْرُ أشَدَّ مَرْغُوبٍ لَهم، لِأنَّ العَرَبَ كانُوا أهْلَ غاراتٍ وقِتالٍ وتِراتٍ، فالِانْتِصارُ مِن أهَمِّ الأُمُورِ لَدَيْهِمْ قالَ - تَعالى - ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهم يُنْصَرُونَ﴾ [يس: ٧٤] ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ [يس: ٧٥] وقالَ - تَعالى - ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهم عِزًّا﴾ [مريم: ٨١] ﴿كَلّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ﴾ [مريم: ٨٢]، قالَ أبُو سُفْيانَ يَوْمَ أُحُدٍ: ”أعْلُ هُبْلُ“ وقالَ أيْضًا: ”لَنا العُزّى ولا عُزّى لَكم“ وأنَّ اللَّهَ أعْلَمَ المُسْلِمِينَ بِذَلِكَ تَعْرِيضًا بِالبِشارَةِ بِأنَّ المُشْرِكِينَ سَيُغْلَبُونَ. قالَ ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وبِئْسَ المِهادُ﴾ [آل عمران: ١٢] وأنَّهم سَيَمْحَقُونَ الأصْنامَ ولا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ الذَّبَّ عَنْها.