صفحة ١٣٧

﴿ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ .

جُمْلَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ؛ لِأنَّهُ ابْتِداءُ كَلامٍ لَيْسَ مِمّا يَتَرَتَّبُ عَلى الأمْرِ بِالقِتالِ، بَلْ لِذِكْرِ مَن لَمْ يُقْتَلُوا، ولِذَلِكَ جاءَ الفِعْلُ فِيها مَرْفُوعًا، فَدَلَّ هَذا النَّظْمُ عَلى أنَّها راجِعَةٌ إلى قَوْمٍ آخَرِينَ، وهُمُ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ خانُوا وغَدَرُوا، ولَمْ يُقْتَلُوا، بَلْ أسْلَمُوا مِن قَبْلِ هَذا الأمْرِ أوْ بَعْدَهُ. وتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: هي قَبُولُ إسْلامِهِمْ أوْ دُخُولُهم فِيهِ، وفي هَذا إعْذارٌ وإمْهالٌ لِمَن تَأخَّرَ. وإنَّما لَمْ تُفْصَلِ الجُمْلَةُ: لِلْإشارَةِ إلى أنَّ مَضْمُونَها مِن بَقِيَّةِ أحْوالِ المُشْرِكِينَ، فَناسَبَ انْتِظامَها مَعَ ما قَبْلَها. فَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلى أبِي سُفْيانَ، وعِكْرِمَةَ بْنِ أبِي جَهْلٍ، وسُلَيْمِ بْنِ أبِي عَمْرٍو (وذَكَرَ هَذا الثّالِثَ القُرْطُبِيُّ ولَمْ أقِفْ عَلى اسْمِهِ في الصَّحابَةِ) .

والتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ لِإفادَةِ أنَّ اللَّهَ يُعامِلُ النّاسَ بِما يَعْلَمُ مِن نِيّاتِهِمْ، وأنَّهُ حَكِيمٌ لا يَأْمُرُ إلّا بِما فِيهِ تَحْقِيقُ الحِكْمَةِ، فَوَجَبَ عَلى النّاسِ امْتِثالُ أوامِرِهِ، وأنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَةَ مَن تابَ إلَيْهِ تَكْثِيرًا لِلصَّلاحِ.