﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلى مَن يَشاءُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

ثُمَّ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ، عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٢٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿وذَلِكَ جَزاءُ الكافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٦] . وهَذا إشارَةٌ إلى إسْلامِ هَوازِنَ بَعْدَ تِلْكَ الهَزِيمَةِ فَإنَّهم

صفحة ١٥٩

جاءُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُسْلِمِينَ تائِبِينَ، وسَألُوهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهم وغَنائِمَهم، فَذَلِكَ أكْبَرُ مِنَّةٍ في نَصْرِ المُسْلِمِينَ إذْ أصْبَحَ الجُنْدُ العَدُوُّ لَهم مُسْلِمِينَ مَعَهم، لا يَخافُونَهم بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ.

والمَعْنى: ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أيْ عَلى الَّذِينَ أسْلَمُوا مِنهم فَقَوْلُهُ: ﴿يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ دَلِيلُ المَعْطُوفِ بِـ (ثُمَّ) ولِذَلِكَ أُتِيَ بِالمُضارِعِ في قَوْلِهِ: " يَتُوبُ اللَّهُ دُونَ الفِعْلِ الماضِي: لِأنَّ المَقْصُودَ ما يَشْمَلُ تَوْبَةَ هَوازِنَ وتَوْبَةَ غَيْرِهِمْ، لِلْإشارَةِ إلى إفادَةِ تَجَدُّدِ التَّوْبَةِ عَلى كُلِّ مَن تابَ إلى اللَّهِ لا يَخْتَصُّ بِها هَوازِنَ فَتَوْبَتُهُ عَلى هَوازِنَ قَدْ عَرَفَها المُسْلِمُونَ، فَأعْلِمُوا بِأنَّ اللَّهَ يُعامِلُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كُلَّ مَن نَدِمَ وتابَ، فالمَعْنى: ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ.

وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ تَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ لِإفادَةِ أنَّ المَغْفِرَةَ مِن شَأْنِهِ تَعالى، وأنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبادِهِ إنْ أنابُوا إلَيْهِ وتَرَكُوا الإشْراكَ بِهِ.