Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَلا تُعْجِبْكَ أمْوَلُهم ولا أوْلادُهم إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم بِها في الحَياةِ الدُّنْيا وتَزْهَقَ أنْفُسُهم وهم كافِرُونَ﴾
تَفْرِيعٌ عَلى مَذَمَّةِ حالِهِمْ في أمْوالِهِمْ، وأنَّ وفْرَةَ أمْوالِهِمْ لا تُوجِبُ لَهم طُمَأْنِينَةَ بالٍ، بِإعْلامِ المُسْلِمِينَ أنَّ ما يَرَوْنَ بَعْضَ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ فِيهِ مِن مَتاعِ الحَياةِ الدُّنْيا لا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَحَلَّ إعْجابِ المُؤْمِنِينَ، وأنْ يَحْسَبُوا المُنافِقِينَ قَدْ نالُوا شَيْئًا مِنَ الحَظِّ العاجِلِ بِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ في عَذابِهِمْ في الدُّنْيا.
فالخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ، والمُرادُ تَعْلِيمُ الأُمَّةِ.
صفحة ٢٢٨
ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: أنَّ اللَّهَ كَشَفَ سِرًّا مِن أسْرارِ نُفُوسِ المُنافِقِينَ بِأنَّهُ خَلَقَ في نُفُوسِهِمْ شُحًّا وحِرْصًا عَلى المالِ وفِتْنَةً بِتَوْفِيرِهِ والإشْفاقِ مِن ضَياعِهِ، فَجَعَلَهم بِسَبَبِ ذَلِكَ في عَناءٍ وعَذابٍ مِن جَرّاءِ أمْوالِهِمْ، فَهم في كَبَدٍ مِن جَمْعِها. وفي خَوْفٍ عَلَيْها مِنَ النُّقْصانِ، وفي ألَمٍ مِن إنْفاقِ ما يُلْجِئُهُمُ الحالُ إلى إنْفاقِهِ مِنها، فَقَدْ أرادَ اللَّهُ تَعْذِيبَهم في الدُّنْيا بِما الشَّأْنُ أنْ يَكُونَ سَبَبَ نَعِيمٍ وراحَةٍ، وتَمَّ مُرادُهُ. وهَذا مِن أشَدِّ العُقُوباتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وهَذا شَأْنُ البُخَلاءِ وأهْلِ الشُّحِّ مُطْلَقًا، إلّا أنَّ المُؤْمِنِينَ مِنهم لَهم مَسْلاةٌ عَنِ الرَّزايا بِما يَرْجُونَ مِنَ الثَّوابِ عَلى الإنْفاقِ أوْ عَلى الصَّبْرِ. ثُمَّ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا الخُلُقُ قَدْ جَبَلَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِن وقْتِ وُجُودِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِن جُمْلَةِ بَواعِثِ كُفْرِهِمْ ونِفاقِهِمْ، إذِ الخُلُقُ السَّيِّئُ يَدْعُو بَعْضُهُ بَعْضًا، فَإنَّ الكُفْرَ خُلُقٌ سَيِّئٌ فَلا عَجَبَ أنْ تَنْساقَ إلَيْهِ نَفْسُ البَخِيلِ الشَّحِيحِ، والنِّفاقُ يَبْعَثُ عَلَيْهِ الخُلُقُ السَّيِّئُ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، لِيَتَّقِي صاحِبُهُ المَخاطِرَ، وكَذَلِكَ الشَّأْنُ في أوْلادِهِمْ إذْ كانُوا في فِتْنَةٍ مِنَ الخَوْفِ عَلى إيمانِ بَعْضِ أوْلادِهِمْ، وعَلى خِلافٍ بَيْنَهم وبَيْنَ بَعْضِ أوْلادِهِمُ المُوَفَّقِينَ إلى الإسْلامِ: مِثْلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أبِي عامِرٍ المُلَقَّبِ غِسِّيلَ المَلائِكَةِ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَكانَ ذَلِكَ مِن تَعْذِيبِ أبَوَيْهِما.ولِكَوْنِ ذِكْرِ الأوْلادِ كالتَّكْمِلَةِ هُنا لِزِيادَةِ بَيانِ عَدَمِ انْتِفاعِهِمْ بِكُلِّ ما هو مَظِنَّةُ أنْ يَنْتَفِعَ بِهِ النّاسُ، عُطِفَ الأوْلادُ بِإعادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ العاطِفِ، إيماءً إلى أنَّ ذِكْرَهم كالتَّكْمِلَةِ والِاسْتِطْرادِ.
واللّامُ في (لِيُعَذِّبَهم) لِلتَّعْلِيلِ: تَعَلَّقَتْ بِفِعْلِ الإرادَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ المُرادَ حِكْمَةٌ وعِلَّةٌ فَتُغْنِي عَنْ مَفْعُولِ الإرادَةِ، وأصْلُ فِعْلِ الإرادَةِ أنْ يُعَدّى بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] ويُعَدّى غالِبًا بِاللّامِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ. وقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] في سُورَةِ النِّساءِ وقَوْلِ كُثَيِّرٍ:
أُرِيدُ لِأنْسى حُبَّها فَكَأنَّما تَمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ مَكانِ
ورُبَّما عَدُّوهُ بِاللّامِ وكَيْ مُبالَغَةً في التَّعْلِيلِ كَقَوْلِ قَيْسِ بْنِ عُبادَةَ:
أرَدْتُ لِكَيْما يَعْلَمَ النّاسُ أنَّهاسَراوِيلُ قَيْسٍ والوُفُودُ شُهُودُ
صفحة ٢٢٩
وهَذِهِ اللّامُ كَثِيرٌ وُقُوعُها بَعْدَ مادَّةِ الإرادَةِ ومادَّةِ الأمْرِ. وبَعْضُ القُرّاءِ سَمّاها (لامَ أنْ) - بِفَتْحِ الهَمْزَةِ - وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم في سُورَةِ النِّساءِ.فَقَوْلُهُ: (﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾) مُتَعَلِّقٌ بِـ (﴿يُعَذِّبْهُمُ﴾ [التوبة: ١٤]) ومُحاوَلَةُ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ تَعَسُّفٌ وعُطِفَ (وتَزْهَقَ) عَلى (﴿لِيُعَذِّبَهُمْ﴾) بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ أرادَهُ اللَّهُ لَهم عِنْدَما رَزَقَهُمُ الأمْوالَ والأوْلادَ فَيُعْلَمُ مِنهُ: أنَّهُ أرادَ مَوْتَهم عَلى الكُفْرِ، فَيَسْتَغْرِقُ التَّعْذِيبُ بِأمْوالِهِمْ وأوْلادِهِمْ حَياتَهم كُلَّها؛ لِأنَّهم لَوْ آمَنُوا في جُزْءٍ مِن آخَرِ حَياتِهِمْ لَحَصَلَ لَهم في ذَلِكَ الزَّمَنِ انْتِفاعٌ ما بِأمْوالِهِمْ ولَوْ مَعَ الشُّحِّ.
وجُمْلَةُ وهم كافِرُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُضافِ إلَيْهِ لِأنَّهُ إذا زُهِقَتِ النَّفْسُ في حالِ الكُفْرِ فَقَدْ ماتَ كافِرًا.
والإعْجابُ اسْتِحْسانٌ مَشُوبٌ بِاسْتِغْرابٍ وسُرُورٍ مِنَ المَرْئِيِّ قالَ - تَعالى: ﴿ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾ [المائدة: ١٠٠] أيِ اسْتَحْسَنْتَ مَرْأى وفْرَةِ عَدَدِهِ.
والزُّهُوقُ الخُرُوجُ بِشِدَّةٍ وضِيقٍ، وقَدْ شاعَ ذِكْرُهُ في خُرُوجِ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، وسَيَأْتِي مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ.