Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ ذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾
مَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١]، كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ ﴿وعَدَ اللَّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ﴾ [التوبة: ٦٨] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٦٧] الآيَةَ. وهي أيْضًا كالِاسْتِئْنافِ البَيانِيِّ النّاشِئِ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٧١] مِثْلُ قَوْلِهِ في الآيَةِ السّابِقَةِ ﴿يُبَشِّرُهم رَبُّهم بِرَحْمَةٍ مِنهُ ورِضْوانٍ وجَنّاتٍ لَهم فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: ٢١] الآيَةَ.
صفحة ٢٦٤
وفِعْلُ المُضِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وعَدَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٦٨] إمّا لِأنَّهُ إخْبارٌ عَنْ وعْدٍ تَقَدَّمَ في آيِ القُرْآنِ قُصِدَ مِنَ الإخْبارِ بِهِ التَّذْكِيرُ بِهِ لِتَحْقِيقِهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ قَدْ صِيغَ هَذا الوَعْدُ بِلَفْظِ المُضِيِّ عَلى طَرِيقَةِ صِيَغِ العُقُودِ؛ مِثْلُ بِعْتُ وتَصَدَّقْتُ، لِكَوْنِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مَعْهُودَةً في الِالتِزامِ الَّذِي لا يَتَخَلَّفُ. وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا في قَوْلِهِ: ﴿وعَدَ اللَّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٨]والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ دُونَ أنْ يُقالَ: وعَدَهُمُ اللَّهُ: لِتَقْرِيرِهِمْ في ذِهْنِ السّامِعِ لِيَتَمَكَّنَ تَعَلُّقُ الفِعْلِ بِهِمْ فَضْلَ تَمَكُّنٍ في ذِهْنِ السّامِعِ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أنَّ لَهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ [البقرة: ٢٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وعَطْفُ ﴿ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ﴾ عَلى جَنّاتٍ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ لَهم في الجَنّاتِ قُصُورًا ومَساكِنَ طَيِّبَةً، أيْ لَيْسَ فِيها شَيْءٌ مِن خُبْثِ المَساكِنِ مِنَ الأوْساخِ وآثارِ عِلاجِ الطَّبْخِ ونَحْوِهِ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿ولَهم فِيها أزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥]
والعَدْنُ الخُلْدُ والِاسْتِقْرارُ المُسْتَمِرُّ، فَجَنّاتُ عَدْنٍ هي الجَنّاتُ المَذْكُورَةُ قَبْلُ، فَذَكَرَها بِهَذا اللَّفْظِ مِنَ الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ مَعَ التَّفَنُّنِ في التَّعْبِيرِ والتَّنْوِيهِ بِالجَنّاتِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِيها.
وجُمْلَةُ ﴿ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ﴾
والرِّضْوانُ - بِكَسْرِ الرّاءِ - ويَجُوزُ ضَمُّها. وكَسْرُ الرّاءِ لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، وضَمُّها لُغَةُ تَمِيمٍ. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ - بِكَسْرِ الرّاءِ - وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِضَمِّ الرّاءِ.
ونَظِيرُهُ بِالكَسْرِ قَلِيلٌ في المَصادِرِ ذاتِ الألِفِ والنُّونِ. وهو مَصْدَرٌ كالرِّضى وزِيادَةُ الألِفِ والنُّونِ فِيهِ تَدُلُّ عَلى قُوَّتِهِ، كالغُفْرانِ والشُّكْرانِ.
والتَّنْكِيرُ في رِضْوانٍ لِلتَّنْوِيعِ، يَدُلُّ عَلى جِنْسِ الرِّضْوانِ، وإنَّما لَمْ يُقْرَنْ بِلامِ تَعْرِيفِ الجِنْسِ لِيُتَوَسَّلَ بِالتَّنْكِيرِ إلى الإشْعارِ بِالتَّعْظِيمِ فَإنَّ رِضْوانَ اللَّهِ - تَعالى - عَظِيمٌ.
صفحة ٢٦٥
و(أكْبَرُ) تَفْضِيلٌ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ المُفَضَّلُ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ مِنَ المَقامِ، أيْ أكْبَرُ مِنَ الجَنّاتِ لِأنَّ رِضْوانَ اللَّهِ أصْلٌ لِجَمِيعِ الخَيْراتِ. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ السَّعاداتِ الرُّوحانِيَّةَ أعْلى وأشْرَفُ مِنَ الجُثْمانِيَّةِ.و(ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ مِنَ الجَنّاتِ والمَساكِنِ وصَفاتِهِما والرِّضْوانِ الإلَهِيِّ.
والقَصْرُ في ﴿هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ بِاعْتِبارِ وصْفِ الفَوْزِ بِعَظِيمٍ.