Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهم فَيَسْخَرُونَ مِنهم سَخِرَ اللَّهُ مِنهم ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ، نَزَلَتْ بِسَبَبِ حادِثٍ حَدَثَ في مُدَّةِ نُزُولِ السُّورَةِ، ذَلِكَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ حَثَّ النّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ فَجاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وجاءَ عاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ بِأوْسُقٍ كَثِيرَةٍ مِن تَمْرٍ، وجاءَ أبُو عَقِيلٍ بِصاعٍ مِن تَمْرٍ، فَقالَ المُنافِقُونَ: ما أعْطى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وعاصِمٌ إلّا رِياءً، وأحَبَّ أبُو عَقِيلٍ أنْ يُذَكِّرَ بِنَفْسِهِ لِيُعْطى مِنَ الصَّدَقاتِ فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ.
صفحة ٢٧٥
فالَّذِينَ يَلْمِزُونَ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ جُمْلَةُ ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾و(اللَّمْزُ) الطَّعْنُ. وتَقَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنهم مَن يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] . وقَرَأهُ يَعْقُوبُ - بِضَمِّ المِيمِ - كَما قَرَأ قَوْلَهُ: ﴿ومِنهم مَن يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاتِ﴾ [التوبة: ٥٨]
و(المُطَّوِّعِينَ) أصْلُهُ المُتَطَوِّعِينَ، أُدْغِمَتِ التّاءُ في الطّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِما.
و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ بِجَعْلِ سَبَبِ اللَّمْزِ كالظَّرْفِ لِلْمُسَبَّبِ.
وعُطِفَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهم عَلى المُطَّوِّعِينَ وهم مِنهُمُ، اهْتِمامًا بِشَأْنِهِمْ. و(الجُهْدُ) - بِضَمِّ الجِيمِ - الطّاقَةُ. وأُطْلِقَتِ الطّاقَةُ عَلى مُسَبَّبِها النّاشِئِ عَنْها.
وحُذِفَ مَفْعُولُ يَجِدُونَ لِظُهُورِهِ مِن قَوْلِهِ: الصَّدَقاتُ أيْ لا يَجِدُونَ ما يَتَصَدَّقُونَ بِهِ إلّا جُهْدَهم.
والمُرادُ لا يَجِدُونَ سَبِيلًا إلى إيجادِ ما يَتَصَدَّقُونَ بِهِ إلّا طاقَتَهم، أيْ جُهْدَ أبْدانِهِمْ. أوْ يَكُونُ (وجَدَ) هُنا هو الَّذِي بِمَعْنى كانَ ذا جِدَّةٍ، أيْ غِنًى فَلا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، أيِ الَّذِينَ لا مالَ لَهم إلّا جُهْدَهم وهَذا أحْسَنُ.
وفِيهِ ثَناءٌ عَلى قُوَّةِ البَدَنِ والعَمَلِ وأنَّها تَقُومُ مَقامَ المالِ.
وهَذا أصْلٌ عَظِيمٌ في اعْتِبارِ أُصُولِ الثَّرْوَةِ العامَّةِ والتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ العامِلِ.
و(السُّخْرِيَةُ) الِاسْتِهْزاءُ. يُقالُ: سَخِرَ مِنهُ، أيْ حَصَلَتِ السُّخْرِيَةُ لَهُ مِن كَذا، فَـ (مِن) اتِّصالِيَّةٌ.
واخْتِيرَ المُضارِعُ في يَلْمِزُونَ ويَسْخَرُونَ لِلدَّلالَةِ عَلى التَّكَرُّرِ.
وإسْنادُ سَخِرَ إلى اللَّهِ - تَعالى - عَلى سَبِيلِ المَجازِ الَّذِي حَسَّنَتْهُ المُشاكَلَةُ لِفِعْلِهِمْ، والمَعْنى أنَّ اللَّهَ عامَلَهم مُعامَلَةً تُشْبِهُ سُخْرِيَةَ السّاخِرِ، عَلى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ، وذَلِكَ في أنْ أمَرَ نَبِيَّهُ بِإجْراءِ أحْكامِ المُسْلِمِينَ عَلى ظاهِرِهِمْ زَمَنًا ثُمَّ أمْرِهِ بِفَضْحِهِمْ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إطْلاقُ ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ، أيِ احْتَقَرَهم ولَعَنَهم ولَمّا كانَ كُلُّ ذَلِكَ حاصِلًا مِن قَبْلُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالماضِي في ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾
صفحة ٢٧٦
وجُمْلَةُ ﴿ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ عَطْفٌ عَلى الخَبَرِ، أيْ سَخِرَ مِنهم وقَضى عَلَيْهِمْ بِالعَذابِ في الآخِرَةِ.