﴿رَضُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ وطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَفْقَهُونَ﴾

اسْتِئْنافٌ قُصِدَ مِنهُ التَّعْجِيبُ مِن دَناءَةِ نُفُوسِهِمْ وقِلَّةِ رُجْلَتِهِمْ بِأنَّهم رَضُوا لِأنْفُسِهِمْ بِأنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِلنِّساءِ. وفي اخْتِيارِ فِعْلِ (رَضُوا) إشْعارٌ بِأنَّ ما تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ الحالِ مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَرَدَّدَ العاقِلُ في قَبُولِهِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ﴾ [التوبة: ٣٨] وقَوْلِهِ: ﴿إنَّكم رَضِيتُمْ بِالقُعُودِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [التوبة: ٨٣]

والخَوالِفُ جَمْعُ خالِفَةٍ وهي المَرْأةُ الَّتِي تَتَخَلَّفُ في البَيْتِ بَعْدَ سَفَرِ زَوْجِها فَإنْ سافَرَتْ مَعَهُ فَهي الظَّعِينَةُ، أيْ رَضُوا بِالبَقاءِ مَعَ النِّساءِ.

والطَّبْعُ تَمْثِيلٌ لِحالِ قُلُوبِهِمْ في عَدَمِ قَبُولِ الهُدى بِالإناءِ أوِ الكِتابِ المَخْتُومِ. والطَّبْعُ مُرادِفُ الخَتْمِ. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وأُسْنِدَ الطَّبْعُ إلى المَجْهُولِ إمّا لِلْعِلْمِ بِفاعِلِهِ وهو اللَّهُ، وإمّا لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم خُلِقُوا كَذَلِكَ وجُبِلُوا عَلَيْهِ وفُرِّعَ عَلى الطَّبْعِ انْعِدامُ عِلْمِهِمْ بِالأُمُورِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِعِلْمِها أهْلُ

صفحة ٢٩٠

الأفْهامِ، وهو العِلْمُ المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالفِقْهِ، أيْ إدْراكِ الأشْياءِ الخَفِيَّةِ، أيْ فَآثَرُوا نِعْمَةَ الدَّعَةِ عَلى سُمْعَةِ الشُّجاعَةِ وعَلى ثَوابِ الجِهادِ إذْ لَمْ يُدْرِكُوا إلّا المَحْسُوساتِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا فاقِهِينَ وذَلِكَ أصْلُ جَمِيعِ المَضارِّ في الدّارَيْنِ.

وجِيءَ في إسْنادِ نَفْيِ الفَقاهَةِ عَنْهم بِالمُسْنَدِ الفِعْلِيِّ لِلدَّلالَةِ عَلى تَقَوِّي الخَبَرِ وتَحْقِيقِ نِسْبَتِهِ إلى المُخْبَرِ عَنْهم وتَمَكُّنِهِ مِنهم.