Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿لَكِنِ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْراتُ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ .
افْتِتاحُ الكَلامِ بِحَرْفِ الِاسْتِدْراكِ يُؤْذِنُ بِأنَّ مَضْمُونَ هَذا الكَلامِ نَقِيضُ مَضْمُونِ الكَلامِ الَّذِي قَبْلَهُ أصْلًا وتَفْرِيعًا. فَلَمّا كانَ قُعُودُ المُنافِقِينَ عَنِ الجِهادِ مُسَبَّبًا عَلى كُفْرِهِمْ بِالرَّسُولِ ﷺ، كانَ المُؤْمِنُونَ عَلى الضِّدِّ مِن ذَلِكَ. وابْتُدِئَ وصْفُ أحْوالِهِمْ بِوَصْفِ حالِ الرَّسُولِ لِأنَّ تَعَلُّقَهم بِهِ واتِّباعَهم إيّاهُ هو أصْلُ كَمالِهِمْ وخَيْرِهِمْ، فَقِيلَ ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا﴾
وقَوْلُهُ: ﴿بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ [التوبة: ٨١] مُقابِلُ قَوْلِهِ: ﴿اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنهُمْ﴾ [التوبة: ٨٦]
وقَوْلُهُ: ﴿وأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْراتُ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ مُقابِلُ قَوْلِهِ: ﴿وطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨٧] كَما تَقَدَّمَ.
وفِي حَرْفِ الِاسْتِدْراكِ إشارَةٌ إلى الِاسْتِغْناءِ عَنْ نُصْرَةِ المُنافِقِينَ بِنُصْرَةِ المُؤْمِنِينَ الرَّسُولَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ يَكْفُرْ بِها هَؤُلاءِ فَقَدْ وكَّلْنا بِها قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩]
وقَدْ مَضى الكَلامُ عَلى الجِهادِ بِالأمْوالِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿انْفِرُوا خِفافًا وثِقالًا وجاهِدُوا بِأمْوالِكم وأنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ٤١]
وفِي قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ تَعْرِيضٌ بِأنَّ الَّذِينَ لَمْ يُجاهِدُوا دُونَ عُذْرٍ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ.
صفحة ٢٩١
و(مَعَهُ) في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ (الَّذِينَ) لِتَدُلَّ عَلى أنَّهم أتْباعٌ لَهُ في كُلِّ حالٍ وفي كُلِّ أمْرٍ، فَإيمانُهم مَعَهُ لِأنَّهم آمَنُوا بِهِ عِنْدَ دَعْوَتِهِ إيّاهم، وجِهادِهِمْ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ مَعَهُ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الخَيْراتِ المَبْثُوثَةَ لَهم في الدُّنْيا والآخِرَةِ تابِعَةٌ لِخَيْراتِهِ ومَقاماتِهِ.وعُطِفَتْ جُمْلَةُ ﴿وأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْراتُ﴾ عَلى جُمْلَةِ (جاهَدُوا) ولَمْ تُفْصَلْ مَعَ جَوازِ الفَصْلِ لِيَدُلَّ بِالعَطْفِ عَلى أنَّها خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، أيْ عَلى أنَّها مِن أوْصافِهِمْ وأحْوالِهِمْ لِأنَّ تِلْكَ أدَلُّ عَلى تَمَكُّنِ مَضْمُونِها فِيهِمْ مِن أنْ يُؤْتى بِها مُسْتَأْنَفَةً كَأنَّها إخْبارٌ مُسْتَأْنَفٌ.
والإتْيانُ بِاسْمِ الإشارَةِ لِإفادَةِ أنَّ اسْتِحْقاقَهُمُ الخَيْراتِ والفَلاحَ كانَ لِأجْلِ جِهادِهِمْ.
والخَيْراتُ جَمْعُ خَيْرٍ عَلى غَيْرِ قِياسٍ. فَهو مِمّا جاءَ عَلى صِيغَةِ جَمْعِ التَّأْنِيثِ مَعَ عَدَمِ التَّأْنِيثِ ولا عَلامَتِهِ مِثْلَ سُرادِقاتِ وحَمّاماتِ.
وجَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ جَمْعَ (خَيْرَةٍ) بِتَخْفِيفِ الياءِ مُخَفَّفِ (خَيِّرَةَ) المُشَدَّدِ الياءِ الَّتِي هي أُنْثى (خَيِّرٍ)، أوْ هي مُؤَنَّثُ (خَيْرٍ) المُخَفَّفِ الياءِ الَّذِي هو بِمَعْنى أخْيَرَ. وإنَّما أنَّثُوا وصْفَ المَرْأةِ مِنهُ لِأنَّهم لَمْ يُرِيدُوا بِهِ التَّفْضِيلَ، وعَلى هَذا كُلِّهِ يَكُونُ خَيْراتٌ هُنا مُؤَوَّلًا بِالخِصالِ الخَيِّرَةِ، وكُلُّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ لا داعِيَ إلَيْهِ مَعَ اسْتِقامَةِ الحَمْلِ عَلى الظّاهِرِ. والمُرادُ مَنافِعُ الدُّنْيا والآخِرَةِ. فاللّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْراقِ. والقَوْلُ في ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ كالقَوْلِ في نَظِيرِهِ في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ.