Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ما كانَ لِلنَّبِيءِ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾
اسْتِئْنافٌ نُسِخَ بِهِ التَّخْيِيرُ الواقِعُ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَإنَّ في ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَ أنْ يَسْتَغْفِرَ النَّبِيءُ ﷺ لَهم وبَيْنَ أنْ لا يَسْتَغْفِرَ في
صفحة ٤٤
انْتِفاءِ أهَمِّ الغَرَضَيْنِ مِنَ الِاسْتِغْفارِ، وهو حُصُولُ الغُفْرانِ، فَبَقِيَ لِلتَّخْيِيرِ غَرَضٌ آخَرُ وهو حُسْنُ القَوْلِ لِمَن يَرى النَّبِيءَ ﷺ أنَّهُ أهْلٌ لِلْمُلاطَفَةِ لِذاتِهِ أوْ لِبَعْضِ أهْلِهِ، مِثْلُ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأرادَ اللَّهُ نَسْخَ ذَلِكَ بَعْدَ أنْ دَرَجَ في تَلَقِّيهِ عَلى عادَةِ التَّشْرِيعِ في غالِبِ الأحْوالِ. ولَعَلَّ الغَرَضَ الَّذِي لِأجْلِهِ أُبْقِيَ التَّخْيِيرُ في الِاسْتِغْفارِ لَهم قَدْ ضَعُفَ ما فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ ورُجِّحَ ما فِيهِ مِنَ المَفْسَدَةِ بِانْقِراضِ مَن هم أهْلٌ لِحُسْنِ القَوْلِ وغَلَبَةِ الدَّهْماءِ مِنَ المُنافِقِينَ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أنَّ اسْتِغْفارَ النَّبِيءِ ﷺ لَهم يَغْفِرُ لَهم ذُنُوبَهم فَيُصْبِحُوا فَرِحِينَ بِأنَّهم رَبِحُوا الصَّفْقَتَيْنِ وأرْضَوُا الفَرِيقَيْنِ، فَنَهى اللَّهُ النَّبِيءَ ﷺ . ولَعَلَّ المُسْلِمِينَ لَمّا سَمِعُوا تَخْيِيرَ النَّبِيءِ في الِاسْتِغْفارِ لِلْمُشْرِكِينَ ذَهَبُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِأهْلِيهِمْ وأصْحابِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ طَمَعًا في إيصالِ النَّفْعِ إلَيْهِمْ في الآخِرَةِ فَأصْبَحَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلى اعْتِقادِ مُساواةِ المُشْرِكِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ في المَغْفِرَةِ فَيَنْتَفِي التَّفاضُلُ الباعِثُ عَلى الرَّغْبَةِ في الإيمانِ، فَنَهى اللَّهُ النَّبِيءِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ مَعًا عَنِ الِاسْتِغْفارِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ أنْ رَخَّصَهُ لِلنَّبِيءِ ﷺ خاصَّةً في قَوْلِهِ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠]ورَوى التِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأبَوَيْهِ المُشْرِكَيْنِ قالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أتَسْتَغْفِرُ لِأبَوَيْكَ وهُما مُشْرِكانِ ؟ فَقالَ: ألَيْسَ قَدِ اسْتَغْفَرَ إبْراهِيمُ لِأبَوَيْهِ وهُما مُشْرِكانِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، إلى قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إنَّ إبْراهِيمَ لَأوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة»: ١١٤] . قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: هو أضْعَفُ ما رُوِيَ في هَذا البابِ. وأمّا ما رُوِيَ في أسْبابِ النُّزُولِ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في اسْتِغْفارِ النَّبِيءِ ﷺ لِأبِي طالِبٍ، أوْ أنَّها نَزَلَتْ في سُؤالِهِ رَبَّهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمِّهِ آمِنَةَ حِينَ زارَ قَبْرَها بِالأبْواءِ. فَهُما خَبَرانِ واهِيانِ لِأنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ.
وجاءَتْ صِيغَةُ النَّهْيِ بِطَرِيقِ نَفْيِ الكَوْنِ مَعَ لامِ الجُحُودِ مُبالَغَةً في التَّنَزُّهِ عَنْ هَذا الِاسْتِغْفارِ، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِيَ أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦] في آخِرِ سُورَةِ العُقُودِ.
صفحة ٤٥
ويَدْخُلُ في المُشْرِكِينَ المُنافِقُونَ الَّذِينَ عَلِمَ النَّبِيءُ ﷺ نِفاقَهم والَّذِينَ عَلِمَ المُسْلِمُونَ نِفاقَهم بِتَحَقُّقِ الصِّفاتِ الَّتِي أُعْلِنَتْ عَلَيْهِمْ في هَذِهِ السُّورَةِ وغَيْرِها.وزِيادَةُ ﴿ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى﴾ لِلْمُبالَغَةِ في اسْتِقْصاءِ أقْرَبِ الأحْوالِ إلى المَعْذِرَةِ، كَما هو مُفادُ (لَوِ) الوَصْلِيَّةِ، أيْ فَأوْلى إنْ لَمْ يَكُونُوا أُولِي قُرْبى. وهَذِهِ المُبالَغَةُ لِقَطْعِ المَعْذِرَةِ عَنِ المُخالِفِ، وتَمْهِيدٍ لِتَعْلِيمِ مَنِ اغْتَرَّ بِما حَكاهُ القُرْآنُ مِنِ اسْتِغْفارِ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ في نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿واغْفِرْ لِأبِي إنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٨٦] . ولِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ إلّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤] إلَخْ.
وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى (لَوْ) الِاتِّصالِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.