﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ المُجْرِمُونَ﴾

لَمّا قامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْها بِما لا قِبَلَ لَهم بِالتَّنَصُّلِ مِنهُ أعْقَبَتْ بِالتَّفْرِيعِ عَلى افْتِرائِهِمُ الكَذِبَ وذَلِكَ مِمّا عُرِفَ مِن أحْوالِهِمْ مِنَ اتِّخاذِهِمُ الشُّرَكاءَ لَهُ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا القُرُونَ مِن قَبْلِكم لَمّا ظَلَمُوا﴾ [يونس: ١٣] أيْ أشْرَكُوا إلى قَوْلِهِ: ﴿لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] وتَكْذِيبِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ في قَوْلِهِمْ ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذا أوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] . وفي ذَلِكَ أيْضًا تَوْجِيهُ الكَلامِ بِصَلاحِيَتِهِ لِأنْ يَكُونَ إنْصافًا بَيْنَهُ وبَيْنَهم إذْ هم قَدْ عَرَّضُوا بِنِسْبَتِهِ إلى الِافْتِراءِ عَلى اللَّهِ حِينَ قالُوا ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذا﴾ [يونس: ١٥]، وصَرَّحُوا بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ القُرْآنُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمّا أقامَ الحُجَّةَ عَلَيْهِمْ بِأنَّ ذَلِكَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وأنَّهُ ما يَكُونُ لَهُ أنْ يَأْتِيَ بِهِ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ فَرَّعَ عَلَيْهِ أنَّ المُفْتَرِيَ عَلى اللَّهِ كَذِبًا والمُكَذِّبِينَ بِآياتِهِ كِلاهُما أظْلَمُ النّاسِ لا أحَدَ أظْلَمُ مِنهُما، وذَلِكَ مِن مُجاراةِ الخَصْمِ لِيَعْثُرَ، يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنَ الكَلامِ أنَّهُ إنْصافٌ بَيْنَهُما فَإذا حَصْحَصَ المَعْنى وُجِدَ انْصِبابُهُ عَلى الخَصْمِ وحْدَهُ.

صفحة ١٢٤

والتَّفْرِيعُ صالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وهو تَفْرِيعٌ عَلى ما تَقَدَّمَ قَبْلَهُ مِمّا تَضَمَّنَ أنَّهم أشْرَكُوا بِاللَّهِ وكَذَّبُوا بِالقُرْآنِ.

ومَحَلُّ أوْ عَلى الوَجْهَيْنِ هو التَّقْسِيمُ، وهو إمّا تَقَسُّمُ أحْوالٍ، وإمّا تَقَسُّمُ أنْواعٍ.

والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ. والظُّلْمُ: هُنا بِمَعْنى الِاعْتِداءِ. وإنَّما كانَ أحَدُ الأمْرَيْنِ أشَدَّ الظُّلْمِ لِأنَّهُ اعْتِداءٌ عَلى الخالِقِ بِالكَذِبِ عَلَيْهِ وبِتَكْذِيبِ آياتِهِ.

وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ لا يُفْلِحُ المُجْرِمُونَ﴾ تَذْيِيلٌ، ومَوْقِعُهُ يَقْتَضِي شُمُولَ عُمُومِهِ لِلْمَذْكُورِينَ في الكَلامِ المُذَيَّلِ (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ) فَيَقْتَضِي أنَّ أُولَئِكَ مُجْرِمُونَ، وأنَّهم لا يُفْلِحُونَ.

والفَلاحُ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ في سُورَةِ البَقَرَةِ.

وتَأْكِيدُ الجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ ناظِرٌ إلى شُمُولِ عُمُومِ المُجْرِمِينَ لِلْمُخاطَبِينَ لِأنَّهم يُنْكِرُونَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُجْرِمِينَ.

وافْتِتاحُ الجُمْلَةِ بِضَمِيرِ الشَّأْنِ لِقَصْدِ الِاهْتِمامِ بِمَضْمُونِها.