Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا أيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكم عَلى أنْفُسِكم مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُكم فَنُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
اسْتِئْنافُ خِطابٍ لِلْمُشْرِكِينَ وهُمُ الَّذِينَ يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ.
وافْتُتِحَ الخِطابُ بـِ ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ لِاسْتِصْغاءِ أسْماعِهِمْ. والمَقْصُودُ مِن هَذا تَحْذِيرُ المُشْرِكِينَ ثُمَّ تَهْدِيدُهم.
وصِيغَةُ قَصْرِ البَغْيِ عَلى الكَوْنِ مُضِرًّا بِهِمْ كَما هو مُفادُ حَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ تَنْبِيهً عَلى حَقِيقَةٍ واقِعِيَّةٍ ومَوْعِظَةٍ لَهم لِيَعْلَمُوا أنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الشِّرْكِ والتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ لِرَعْيِ صَلاحِهِمْ لا لِأنَّهم يَضُرُّونَهُ كَقَوْلِهِ: ﴿ولا تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٣٩] . فَمَعْنى عَلى الِاسْتِعْلاءُ المَجازِيُّ المُكَنّى بِهِ عَنِ الإضْرارِ لِأنَّ المُسْتَعْلِي الغالِبُ يَضُرُّ بِالمَغْلُوبِ المُسْتَعْلى عَلَيْهِ، ولِذَلِكَ يَكْثُرُ أنْ يَقُولُوا: هَذا الشَّيْءُ عَلَيْكَ، وفي ضِدِّهِ: هَذا الشَّيْءُ لَكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها﴾ [فصلت: ٤٦] . ويَقُولُ المُقِرُّ: لَكَ عَلَيَّ كَذا. وقالَ تَوْبَةُ بْنُ الحُمَيِّرِ.
وقَدْ زَعَمَتْ لَيْلى بِأنِّي فاجِرٌ لِنَفْسِي تُقاها أوْ عَلَيْها فُجُورُها
وقالَ السَّمَوْألُ اليَهُودِيُّ:ألِيَ الفَضْلُ أمْ عَلَيَّ إذا حُو ∗∗∗ سِبْتُ إنِّي عَلى الحِسابِ مُقِيتُ
وذَلِكَ أنَّ عَلى تَدُلُّ عَلى الإلْزامِ والإيجابِ، واللّامُ تَدَلُّ عَلى الِاسْتِحْقاقِ. وفي الحَدِيثِ «والقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أوْ عَلَيْكَ» .فالمُرادُ بِالأنْفُسِ أنْفُسُ الباغِينَ بِاعْتِبارِ التَّوْزِيعِ بَيْنَ أفْرادِ مُعادِ ضَمِيرِ الجَماعَةِ المُخاطَبِينَ في قَوْلِهِ: بَغْيُكم وبَيْنَ أفْرادِ الأنْفُسِ، كَما في قَوْلِهِمْ ”رَكِبَ القَوْمُ دَوابَّهم“ أيْ،
صفحة ١٤٠
رَكِبَ كُلُّ واحِدٍ دابَّتَهُ. فالمَعْنى إنَّما بَغْيُ كُلِّ أحَدٍ عَلى نَفْسِهِ؛ لِأنَّ الشِّرْكَ لا يَضُرُّ إلّا بِنَفْسِ المُشْرِكِ بِاخْتِلالِ تَفْكِيرِهِ وعَمَلِهِ ثُمَّ بِوُقُوعِهِ في العَذابِ.ومَتاعُ مَرْفُوعٌ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا، وقَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ مِن بَغْيُكم. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ انْتِصابُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِلْبَغْيِ؛ لِأنَّ البَغْيَ مَصْدَرٌ مُشْتَقُّ فَهو كالفِعْلِ فَنابَ المَصْدَرُ عَنِ الظَّرْفِ بِإضافَتِهِ إلى ما فِيهِ مَعْنى المُدَّةِ. وتَوْقِيتُ البَغْيِ بِهَذِهِ المُدَّةِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ ذُكِرَ في مَعْرِضِ الغَضَبِ عَلَيْهِمْ، فالمَعْنى أنَّهُ أمْهَلَكم إمْهالًا طَوِيلًا فَهَلّا تَتَذَكَّرُونَ فَلا تَحْسَبُونَ الإمْهالَ رِضًى بِفِعْلِكم ولا عَجْزًا وسَيُؤاخِذُكم بِهِ في الآخِرَةِ. وفي كِلْتا القِراءَتَيْنِ وُجُوهٌ غَيْرُ ما ذَكَرْنا.
والمَتاعُ: ما يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفاعًا غَيْرَ دائِمٍ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] في سُورَةِ الأعْرافِ. والمَعْنى عَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ واحِدٌ، أيْ أمْهَلْناكم عَلى إشْراكِكم مُدَّةَ الحَياةِ لا غَيْرَ ثُمَّ نُؤاخِذُكم عَلى بَغْيِكم عِنْدَ مَرْجِعِكم إلَيْنا.
وجُمْلَةُ ﴿ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُكُمْ﴾ عُطِفَتْ بـِ ثُمَّ لِإفادَةِ التَّراخِي الرُّتْبِيِّ لِأنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الجُمْلَةِ أصْرَحُ تَهْدِيدًا مِن مَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّما بَغْيُكم عَلى أنْفُسِكُمْ﴾
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ في قَوْلِهِ: ﴿إلَيْنا مَرْجِعُكُمْ﴾ لِإفادَةِ الِاخْتِصاصِ، أيْ تَرْجِعُونَ إلَيْنا لا إلى غَيْرِنا تَنْزِيلًا لِلْمُخاطَبِينَ مَنزِلَةَ مَن يَظُنُّ أنَّهُ يَرْجِعُ إلى غَيْرِ اللَّهِ لِأنَّ حالَهم في التَّكْذِيبِ بِآياتِهِ والإعْراضِ عَنْ عِبادَتِهِ إلى عِبادَةِ الأصْنامِ كَحالِ مَن يَظُنُّ أنَّهُ يُحْشَرُ إلى الأصْنامِ وإنْ كانَ المُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ البَعْثَ مِن أصْلِهِ.
وتَفْرِيعُ ﴿فَنُنَبِّئُكُمْ﴾ عَلى جُمْلَةِ ﴿إلَيْنا مَرْجِعُكُمْ﴾ تَفْرِيعُ وعِيدٍ عَلى تَهْدِيدٍ. واسْتُعْمِلَ الإنْباءُ كِنايَةً عَنِ الجَزاءِ لِأنَّ الإنْباءَ يَسْتَلْزِمُ العِلْمَ بِأعْمالِهِمُ السَّيِّئَةِ، والقادِرُ إذا عَلِمَ بِسُوءِ صَنِيعِ عَبْدِهِ لا يَمْنَعُهُ مِن عِقابِهِ مانِعٌ. وفي ذِكْرِ كُنْتُمْ والفِعْلِ المُضارِعِ دَلالَةٌ عَلى تَكَرُّرِ عَمَلِهِمْ وتَمَكُّنِهِ مِنهم. والوَعِيدُ الَّذِي جاءَتْ بِهِ هَذِهِ الآيَةُ وإنْ كانَ في شَأْنِ أعْظَمِ البَغْيِ فَكانَ لِكُلِّ آتٍ مِنَ البَغْيِ بِنَصِيبٍ حَظٌّ مِن هَذا الوَعِيدِ.