﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مَن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾

اسْتِئْنافٌ عَلى طَرِيقَةِ التَّكْرِيرِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ [يونس: ٣١] . وهَذا مَقامُ تَقْرِيرِ وتَعْدِيدِ الِاسْتِدْلالِ، وهو مِن دَواعِي التَّكْرِيرِ وهو احْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّ حالَ آلِهَتِهِمْ عَلى الضِّدِّ مِن صِفاتِ اللَّهِ - تَعالى - فَبَعْدَ أنْ أقامَ عَلَيْهِمُ الدَّلِيلَ عَلى انْفِرادِ اللَّهِ - تَعالى - بِالرِّزْقِ وخَلْقِ الحَواسِّ وخَلْقِ الأجْناسِ وتَدْبِيرِ جَمِيعِ الأُمُورِ وأنَّهُ المُسْتَحِقُّ لِلْإلَهِيَّةِ بِسَبَبِ

صفحة ١٦١

ذَلِكَ الِانْفِرادِ بَيَّنَ هُنا أنَّ آلِهَتَهم مَسْلُوبَةٌ مِن صِفاتِ الكَمالِ وأنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِها. وإنَّما لَمْ يُعْطَفْ لِأنَّهُ غَرَضٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ، ومَوْقِعُ التَّكْرِيرِ يَزِيدُهُ اسْتِقْلالًا.

والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ وتَقْرِيرٌ بِإنْكارِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ المُتَكَلِّمُ بِطالِبٍ لِلْجَوابِ ولا يَسَعُهم إلّا الِاعْتِرافُ بِذَلِكَ فَهو في مَعْنى نَفْيِ أنْ يَكُونَ مِن آلِهَتِهِمْ مَن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَلِذَلِكَ أمَرَ النَّبِيءُ ﷺ بِأنْ يَرْتَقِيَ مَعَهم في الِاسْتِدْلالِ بِقَوْلِهِ: ﴿اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ فَصارَ مَجْمُوعُ الجُمْلَتَيْنِ قَصْرًا لِصِفَةِ بَدْءِ الخَلْقِ وإعادَتِهِ عَلى اللَّهِ - تَعالى - قَصْرَ إفْرادٍ، أيْ دُونَ شُرَكائِكم، أيْ فالأصْنامُ لا تَسْتَحِقُّ الإلَهِيَّةَ واللَّهُ مُنْفَرِدٌ بِها.

وذِكْرُ إعادَةِ الخَلْقِ في المَوْضِعَيْنِ مَعَ أنَّهم لا يَعْتَرِفُونَ بِها ضَرْبٌ مِنَ الإدْماجِ في الحِجاجِ وهو فَنٌّ بَدِيعٌ.

وإضافَةُ الشُّرَكاءِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ تَقَدَّمَ وجْهُهُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مَكانَكم أنْتُمْ وشُرَكاؤُكُمْ﴾ [يونس: ٢٨]

وقَوْلُهُ: ﴿فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿فَأنّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: ٣٢] . وأفَكَهُ: قَلَبَهُ. والمَعْنى: فَإلى أيِّ مَكانٍ تُقْلَبُونَ. والقَلْبُ مَجازِيٌّ وهو إفْسادُ الرَّأْيِ. وأنّى هُنا اسْتِفْهامٌ عَنْ مَكانٍ مَجازِيٍّ شُبِّهَتْ بِهِ الحَقائِقُ الَّتِي يُحَوَّلُ فِيها التَّفْكِيرُ. واسْتِعارَةُ المَكانِ إلَيْها مِثْلُ إطْلاقِ المَوْضُوعِ عَلَيْها والمَجالِ أيْضًا.