Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهم أوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإلَيْنا مَرْجِعُهم ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾
كانَ ذِكْرُ تَكْذِيبِهِمُ الَّذِي جاءَ في صَدْرِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: (﴿قالَ الكافِرُونَ إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢])، ثُمَّ الوَعِيدِ عَلَيْهِ بِعَذابٍ يَحُلُّ بِهِمْ، والإشارَةُ إلى أنَّهم كَذَّبُوا بِالوَعِيدِ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ﴾ [يونس: ١١] إلى قَوْلِهِ ﴿لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] - مُنْذِرًا بِتَرَقُّبِ عَذابٍ يَحُلُّ بِهِمْ في الدُّنْيا كَما حَلَّ بِالقُرُونِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وكانَ مَعْلُومًا مِن خُلُقِ النَّبِيءِ ﷺ رَأْفَتُهُ بِالنّاسِ ورَغْبَتُهُ أنْ يَتِمَّ هَذا الدِّينُ وأنْ يَهْتَدِيَ جَمِيعُ المَدْعُوِّينَ إلَيْهِ، فَرُبَّما كانَ النَّبِيءُ يَحْذَرُ أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَذابُ الِاسْتِئْصالِ فَيَفُوتَ اهْتِداؤُهم. وكانَ قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهم بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إلَيْهِمُ أجَلُهم فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [يونس: ١١] تَصْرِيحًا بِإمْكانِ اسْتِبْقائِهِمْ وإيماءً إلى إمْهالِهِمْ. جاءَ هَذا الكَلامُ بَيانًا لِذَلِكَ وإنْذارًا بِأنَّهم إنْ أُمْهِلُوا فَأُبْقِيَ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا فَإنَّهم غَيْرُ مُفْلِتِينَ مِنَ المَصِيرِ إلى عِقابِ الآخِرَةِ حِينَ يَرْجِعُونَ إلى تَصَرُّفِ اللَّهِ دُونَ حائِلٍ.
صفحة ١٨٤
وجاءَ الكَلامُ عَلى طَرِيقَةِ إبْهامِ الحاصِلِ مِنَ الحالَيْنِ لِإيقاعِ النّاسِ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجا وإنْ كانَ المُخاطَبُ بِهِ النَّبِيءَ ﷺ .والمُرادُ بـِ ﴿بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ هو عَذابُ الدُّنْيا فَإنَّهم أُوعِدُوا بِعَذابِ الدُّنْيا وعَذابِ الآخِرَةِ، قالَ - تَعالى: ﴿وإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] . فالمَعْنى إنْ وقَعَ عَذابُ الدُّنْيا بِهِمْ فَرَأيْتَهُ أنْتَ أوْ لَمْ يَقَعْ فَتَوَفّاكَ اللَّهُ فَمَصِيرُهم إلَيْنا عَلى كُلِّ حالٍ.
فَمَضْمُونُ أوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَسِيمٌ لِمَضْمُونِ ﴿نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾
والجُمْلَتانِ مَعًا جُمْلَتا شَرْطٍ، وجَوابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: ﴿فَإلَيْنا مَرْجِعُهُمْ﴾
ولَمّا جُعِلَ جَوابُ الشَّرْطَيْنِ إرْجاعَهم إلى اللَّهِ المُكَنّى بِهِ عَنِ العِقابِ الآجِلِ، تَعَيَّنَ أنَّ التَّقْسِيمَ الواقِعَ في الشَّرْطِ تَرْدِيدٌ بَيْنَ حالَتَيْنِ لَهُما مُناسَبَةٌ بِحالَةِ تَحَقُّقِ الإرْجاعِ إلى عَذابِ اللَّهِ عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ، وهُما حالَةُ التَّعْجِيلِ لَهم بِالعَذابِ في الدُّنْيا وحالَةُ تَأْخِيرِ العَذابِ إلى الآخِرَةِ. وأمّا إرادَةُ الرَّسُولِ تَعْذِيبَهم وتُوَفِّيهِ بِدُونِ إرائَتِهِ فَلا مُناسَبَةَ لَهُما بِالإرْجاعِ إلى اللَّهِ عَلى كِلْتَيْهِما إلّا بِاعْتِبارِ مُقارَنَةِ إحْداهُما لِحالَةِ التَّعْجِيلِ ومُناسَبَةِ الأُخْرى لِحالَةِ التَّأْخِيرِ.
وإنَّما كُنِّيَ عَنِ التَّعْجِيلِ بِأنْ يُرِيَهُ اللَّهُ الرَّسُولَ لِلْإيماءِ إلى أنَّ حالَةَ تَعْجِيلِ العَذابِ لا يُرِيدُ اللَّهُ مِنها إلّا الِانْتِصافَ لِرَسُولِهِ بِأنْ يُرِيَهُ عَذابَ مُعانَدِيهِ، ولِذَلِكَ بُنِيَ عَلى ضِدِّ ذَلِكَ ضِدُّ التَّعْجِيلِ فَكُنِّيَ بِتَوَفِّيهِ عَنْ عَدَمِ تَعْجِيلِ العَذابِ بَلْ عَنْ تَأْخِيرِهِ إذْ كانَتْ حِكْمَةُ التَّعْجِيلِ هي الِانْتِصافَ لِلرَّسُولِ ﷺ .
ولَمّا جَعَلَ مَضْمُونَ جُمْلَةِ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَسِيمًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ نُرِيَنَّكَ تَعَيَّنَ أنَّ إراءَتَهُ ما أُوعِدُوا بِهِ مِن عَذابِ الدُّنْيا إنَّما هو جَزاءٌ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ إيّاهُ وأذاهم لَهُ انْتِصارًا لَهُ حَتّى يَكُونَ أمْرُهُ جارِيًا عَلى سُنَّةِ اللَّهِ في المُرْسَلِينَ، كَما قالَ نُوحٌ ﴿رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: ٢٦]، وقَدْ أشارَ إلى هَذا قَوْلُهُ - تَعالى - عَقِبَهُ ﴿ولِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ﴾ [يونس: ٤٧] الآيَةَ وقَوْلُهُ: ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [يونس: ٤٨] . وقَدْ أراهُ اللَّهُ - تَعالى - بَعْضَ الَّذِي تَوَعَّدَهم بِما لَقُوا مِنَ
صفحة ١٨٥
القَحْطِ سَبْعَ سِنِينَ بِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِمْ، وبِما أصابَهم يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الإهانَةِ، وقَتْلِ صَنادِيدِهِمْ، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعالى ﴿فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: ١٠] ﴿يَغْشى النّاسَ هَذا عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [الدخان: ١١] ﴿رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ إنّا مُؤْمِنُونَ﴾ [الدخان: ١٢] ﴿أنّى لَهُمُ الذِّكْرى وقَدْ جاءَهم رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ١٣] ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ [الدخان: ١٤] ﴿إنّا كاشِفُوا العَذابِ قَلِيلًا إنَّكم عائِدُونَ﴾ [الدخان: ١٥] ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٦]والدُّخانُ هو ما كانُوا يَرَوْنَهُ في سِنِينِ القَحْطِ مِن شَبَهِ الدُّخانِ في الأرْضِ. والبَطْشَةُ الكُبْرى: بَطْشَةُ يَوْمِ بَدْرٍ.
وتَأمَّلْ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ [الدخان: ١٤] وقَوْلَهُ: ﴿إنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٦]
ثُمَّ كَفَّ اللَّهُ عَنْهم عَذابَ الدُّنْيا إرْضاءً لَهُ أيْضًا إذْ كانَ يَوَدُّ اسْتِبْقاءَ بَقِيَّتِهِمْ ويَقُولُ: لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُخْرِجَ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُهُ.
فَأمّا الكُفْرُ بِاللَّهِ فَجَزاؤُهُ عَذابُ الآخِرَةِ.
فَطُوِيَ في الكَلامِ جُمَلٌ دَلَّتْ عَلَيْها الجُمَلُ المَذْكُورَةُ إيجازًا مُحْكَمًا وصارَتْ قُوَّةُ الكَلامِ هَكَذا: وإمّا نُعَجِّلُ لَهم بَعْضَ العَذابِ فَنُرِيَنَّكَ نُزُولَهُ بِهِمْ، أوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَنُؤَخِّرُ عَنْهُمُ العَذابَ بَعْدَ وفاتِكَ، أيْ لِانْتِفاءِ الحِكْمَةِ في تَعْجِيلِهِ فَمَرْجِعُهم إلَيْنا، أيْ مَرْجِعُهم ثابِتٌ إلَيْنا دَوْمًا فَنَحْنُ أعْلَمُ بِالحِكْمَةِ المُقْتَضِيَةِ نُفُوذَ الوَعِيدِ فِيهِمْ في الوَقْتِ المُناسِبِ في الدُّنْيا إنْ شِئْنا في حَياتِكَ أوْ بَعْدَكَ أوْ في الآخِرَةِ.
وكَلِمَةُ إمّا هي (إنِ) الشَّرْطِيَّةُ و(ما) المُؤَكِّدَةُ لِلتَّعْلِيقِ الشَّرْطِيِّ. وكُتِبَتْ في المُصْحَفِ بِدُونِ نُونٍ وبِمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ مُحاكاةً لِحالَةِ النُّطْقِ، وقَدْ أُكِّدَ فِعْلُ الشَّرْطِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ فَإنَّهُ إذا أُرِيدَ تَوْكِيدُ فِعْلِ الشَّرْطِ بِالنُّونِ وتَعَيَّنَتْ زِيادَةُ (ما) بَعْدَ إنِ الشَّرْطِيَّةِ فَهُما مُتَلازِمانِ عِنْدَ المُبَرِّدِ والزَّجّاجِ وصاحِبِ الكَشّافِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَإمّا نُرِيَنَّكَ﴾ [غافر: ٧٧] في سُورَةِ غافِرٍ، فَلا يَقُولُونَ إنْ: تُكْرِمَنِّي أُكْرِمْكَ بِنُونِ التَّوْكِيدِ ولَكِنْ تَقُولُونَ: إنْ تُكْرِمْنِي بِدُونِ
صفحة ١٨٦
نُونِ التَّوْكِيدِ كَما أنَّهُ لا يُقالُ: إمّا تُكْرِمْنِي بِدُونِ نُونِ التَّوْكِيدِ ولَكِنْ تَقُولُ: إنْ تُكْرِمْنِي. وشَذَّ قَوْلُ الأعْشى:فَإمّا تَرَيْنِي ولِي لِمَّةٌ فَإنَّ الحَوادِثَ أوْدى بِها
ثُمَّ أكَّدَ التَّعْلِيقَ الشَّرْطِيَّ تَأْكِيدًا ثانِيًا بِنُونِ التَّوْكِيدِ وتَقْدِيمِ المَجْرُورِ عَلى عامِلِهِ وهو ”مَرْجِعُهم“ لِلِاهْتِمامِ. وجُمْلَةُ إلَيْنا مَرْجِعُهم اسْمِيَّةٌ تُفِيدُ الدَّوامَ والثَّباتَ، أيْ ذَلِكَ أمْرٌ في تَصَرُّفِنا دَوْمًا.وجُمْلَةُ ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإلَيْنا مَرْجِعُهُمْ﴾ . وحَرْفُ ”ثُمَّ“ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ كَما هو شَأْنُ ”ثُمَّ“ في عَطْفِها الجُمَلَ. والتَّراخِي الرُّتْبِيُّ كَوْنُ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ بِها أعْلى رُتْبَةً مِنَ المَعْطُوفَةِ عَلَيْها فَإنَّ جُمْلَةَ ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾ لِاشْتِمالِها عَلى التَّعْرِيضِ بِالجَزاءِ عَلى سُوءِ أفْعالِهِمْ كانَتْ أهَمَّ مَرْتَبَةً في الغَرَضِ وهو غَرَضُ الإخْبارِ بِأنَّ مَرْجِعَهم إلى اللَّهِ؛ لِأنَّ إرْجاعَهم إلى اللَّهِ مُجْمَلٌ واطِّلاعُهُ عَلى أفْعالِهِمُ المُكَنّى بِهِ عَنْ مُؤاخَذَتِهِمْ بِها هو تَفْصِيلٌ لِلْوَعِيدِ المُجْمَلِ، والتَّفْصِيلُ أهَمُّ مِنَ الإجْمالِ. وقَدْ حَصَلَ بِالإجْمالِ ثُمَّ بِتَفْصِيلِهِ تَمامُ تَقْرِيرِ الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ وتَأْكِيدُ الوَعِيدِ. وأمّا كَوْنُ عَذابِ الآخِرَةِ حاصِلًا بَعْدَ إرْجاعِهِمْ إلى اللَّهِ بِمُهْلَةٍ - جُمِعَ ما فِيهِ مِن تَكَلُّفِ تَقَرُّرِ تِلْكَ المُهْلَةِ - هو بِحَيْثُ لا يُناسِبُ حَمْلَ الكَلامِ البَلِيغِ عَلى التَّصَدِّي لِذِكْرِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ الكِنائِيِّ، إذْ هو كِنايَةٌ عَنِ الوَعِيدِ بِالجَزاءِ عَلى جَمِيعِ ما فَعَلُوهُ في الدُّنْيا بِحَيْثُ لا يُغادِرُ شَيْئًا.
والشَّهِيدُ: الشّاهِدُ، وحَقِيقَتُهُ: المُخْبِرُ عَنْ أمْرٍ فِيهِ تَصْدِيقٌ لِلْمُخْبِرِ، واسْتُعْمِلَ هُنا في العالِمِ عِلْمَ تَحْقِيقٍ.
وعَبَّرَ بِالمُضارِعِ في قَوْلِهِ: يَفْعَلُونَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ عَلِيمٌ بِما يَحْدُثُ مِن أفْعالِهِمْ، فَأمّا ما مَضى فَهو بِعِلْمِهِ أجْدَرُ.