Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إلى قَوْمِهِمْ فَجاءُوهم بِالبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ﴾
ثُمَّ لِلتَّراخِي الرُّتَبِيِّ؛ لِأنَّ بَعْثَةَ رُسُلٍ كَثِيرِينَ إلى أُمَمٍ تَلَقَّوْهم بِمِثْلِ ما تَلَقّى بِهِ نُوحًا قَوْمُهُ أعْجَبُ مِن شَأْنِ قَوْمِ نُوحٍ حَيْثُ تَمالَأتْ تِلْكَ الأُمَمُ عَلى طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ مِنَ الكُفْرِ. ولَيْسَتْ ثُمَّ لِإفادَةِ التَّراخِي في الزَّمَنِ لِلِاسْتِغْناءِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مِن بَعْدِهِمْ
وقَدْ أبْهَمَ الرُّسُلَ في هَذِهِ الآيَةِ. ووَقَعَ في آياتٍ أُخْرى التَّصْرِيحُ بِأنَّهم: هُودٌ وصالِحٌ، وإبْراهِيمُ، ولُوطٌ، وشُعَيْبٌ. وقَدْ يَكُونُ هُنالِكَ رُسُلٌ آخَرُونَ كَما قالَ - تَعالى: ﴿ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهم عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤]، ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ المَقْصُودُ هُنا مَن كانُوا قَبْلَ مُوسى لِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِمْ مُوسى﴾ [يونس: ٧٥]
وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ نُوحًا أوَّلُ الرُّسُلِ.والبَيِّناتُ: هي الحُجَجُ الواضِحَةُ الدَّلالَةِ عَلى الصِّدْقِ. والفاءُ لِلتَّعْقِيبِ، أيْ أظْهَرُوا لَهُمُ المُعْجِزاتِ بِإثْرِ إرْسالِهِمْ. والباءُ لِلْمُلابَسَةِ، أيْ جاءُوا قَوْمَهم مُبَلِّغِينَ الرِّسالَةَ مُلابِسِينَ البَيِّناتِ.
صفحة ٢٤٥
وقَدْ قُوبِلَ جَمْعُ الرُّسُلِ بِجَمْعِ البَيِّناتِ فَكانَ صادِقًا بِبَيِّناتٍ كَثِيرَةٍ مُوَزَّعَةٍ عَلى رُسُلٍ كَثِيرِينَ، فَقَدْ يَكُونُ لِكُلِّ نَبِيءٍ مِنَ الأنْبِياءِ آياتٌ كَثِيرَةٌ، وقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ الأنْبِياءِ آيَةٌ واحِدَةٌ مِثْلَ آيَةِ صالِحٍ وهي النّاقَةُ.والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ لِلتَّفْرِيعِ، أيْ فَتَرَتَّبَ عَلى ذَلِكَ أنَّهم لَمْ يُؤْمِنُوا.
وصِيَغَ النَّفْيُ بِصِيغَةِ لامِ الجُحُودِ مُبالِغَةً في انْتِفاءِ الإيمانِ عَنْهم بِأقْصى أحْوالِ الِانْتِفاءِ. حَتّى كَأنَّهم لَمْ يُوجَدُوا لِأنْ يُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ، أيْ لَمْ يَتَزَحْزَحُوا عَنْهُ. ودَلَّتْ صِيغَةُ الجُحُودِ عَلى أنَّ الرُّسُلَ حاوَلُوا إيمانَهم مُحاوَلَةً مُتَكَرِّرَةً.
ودَلَّ قَوْلُهُ: ﴿بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ أنَّ هُنالِكَ تَكْذِيبًا بادَرُوا بِهِ لِرُسُلِهِمْ، وأنَّهم لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمُ الَّذِي قابَلُوا بِهِ الرُّسُلَ؛ لِأنَّ التَّكْذِيبَ إنَّما يَكُونُ لِخَبَرِ مُخْبَرٍ فَقَوْلُهُ: ﴿فَجاءُوهم بِالبَيِّناتِ﴾ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ التَّكْذِيبِ فَلَمّا كَذَّبُوهم جاءُوهم بِالبَيِّناتِ عَلى صِدْقِهِمْ فاسْتَمَرُّوا عَلى التَّكْذِيبِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ. وهَذا مِن إيجازِ الحَذْفِ لِجُمَلٍ كَثِيرَةٍ. وهَذا يَقْتَضِي تَكَرُّرَ الدَّعْوَةِ وتَكَرُّرَ البَيِّناتِ وإلّا لَما كانَ لِقَوْلِهِ: ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ وقْعٌ لِأنَّ التَّكْذِيبَ الَّذِي حَصَلَ أوَّلَ مَرَّةٍ إذا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ ما مِن شَأْنِهِ أنْ يُقْلِعَهُ كانَ تَكْذِيبًا واحِدًا مَنسِيًّا.
وهَذا مِن بَلاغَةِ مَعانِي القُرْآنِ.
وبِذَلِكَ يَظْهَرُ وقْعُ قَوْلِهِ عَقِبَهُ ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ﴾ فَإنَّ الطَّبْعَ مُؤْذِنٌ بِأنَّ قُلُوبَهم قَدْ ورَدَ عَلَيْها ما لَوْ خَلَتْ عِنْدَ وُرُودِهِ عَنِ الطَّبْعِ عَلَيْها لَكانَ شَأْنُهُ أنْ يَصِلَ بِهِمْ إلى الإيمانِ، ولَكِنَّ الطَّبْعَ عَلى قُلُوبِهِمْ حالَ دُونَ تَأْثِيرِ البَيِّناتِ في قُلُوبِهِمْ.
وقَدْ جُعِلَ الطَّبْعُ الَّذِي وقَعَ عَلى قُلُوبِ هَؤُلاءِ مَثَلًا لِكَيْفِيّاتِ الطَّبْعِ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ فَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ﴾، أيْ مِثْلَ هَذا الطَّبْعِ العَجِيبِ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ فَتَأمَّلُوهُ واعْتَبِرُوا بِهِ.
صفحة ٢٤٦
والطَّبْعُ: الخَتْمُ. وهو اسْتِعارَةٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الإيمانِ قُلُوبَهم. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.والِاعْتِداءُ: افْتِعالٌ مِن عَدا عَلَيْهِ، إذا ظَلَمَهُ، فالمُعْتَدِينَ مُرادِفُ الظّالِمِينَ، والمُرادُ بِهِ المُشْرِكُونَ لِأنَّ الشِّرْكَ اعْتِداءٌ، فَإنَّهم كَذَّبُوا الرُّسُلَ فاعْتَدَوْا عَلى الصّادِقِينَ بِلَمْزِهِمْ بِالكَذِبِ وقَدْ جاءَ في نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ مِن سُورَةِ الأعْرافِ ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الكافِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٠١] فَهَذا التَّحالُفُ لِلتَّفَنُّنِ في حِكايَةِ هَذِهِ العِبْرَةِ في المَوْضِعَيْنِ.