﴿ولا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَإنْ فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظّالِمِينَ﴾

عَطْفٌ عَلى ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [يونس: ١٠٥]

ولَمْ يُؤَكَّدِ الفِعْلُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِئَلّا يَمْنَعَ وُجُودُها مِن حَذْفِ حَرْفِ العِلَّةِ بِأنَّ حَذْفَهُ تَخْفِيفٌ وفَصاحَةٌ، ولِأنَّ النَّهْيَ لَمّا اقْتَرَنَ بِما يُومِئُ إلى التَّعْلِيلِ كانَ فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ تَأْكِيدِهِ لِأنَّ المَوْصُولَ في قَوْلِهِ: ﴿ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ﴾ يُومِئُ إلى وجْهِ النَّهْيِ عَنْ دُعائِكَ، إذْ دُعاءُ أمْثالِها لا يَقْصِدُهُ العاقِلُ.

ومِن دُونِ اللَّهِ اعْتِراضٌ بَيْنَ فِعْلِ تَدْعُ ومَفْعُولِهِ، وهو إدْماجٌ لِلْحَثِّ عَلى دُعائِهِ اللَّهَ.

وتَفْرِيعُ: فَإنْ فَعَلْتَ عَلى النَّهْيَيْنِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ لا مَعْذِرَةَ لِمَن يَأْتِي ما نُهِيَ عَنْهُ بَعْدَ أنْ أُكِّدَ نَهْيُهُ وبُيِّنَتْ عِلَّتُهُ، فَمَن فَعَلَهُ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ واعْتَدى عَلى حَقِّ رَبِّهِ.

وأكَّدَ الكَوْنَ مِنَ الظّالِمِينَ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِـ إنَّ لِزِيادَةِ التَّحْذِيرِ، وأُتِيَ بِـ إذَنْ لِلْإشارَةِ إلى سُؤالٍ مُقَدَّرٍ كَأنَّ سائِلًا سَألَ: فَإنْ فَعَلْتَ فَماذا يَكُونُ ؟ .

صفحة ٣٠٥

وفِي قَوْلِهِ: مِنَ الظّالِمِينَ مِن تَأْكِيدٌ مِثْلُ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: مِنَ المُشْرِكِينَ ونَظائِرِهِ.

والمَقْصُودُ مِن هَذا الفَرْضِ تَنْبِيهُ النّاسِ عَلى فَظاعَةِ عِظَمِ هَذا الفِعْلِ حَتّى لَوْ فَعَلَهُ أشْرَفُ المَخْلُوقِينَ لَكانَ مِنَ الظّالِمِينَ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]