Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٣١٧
﴿وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكم مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ألّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢] وهو تَفْسِيرٌ ثانٍ يَرْجِعُ إلى ما في الجُمْلَةِ الأُولى مِن لَفْظِ التَّفْصِيلِ، فَهَذا ابْتِداءُ التَّفْصِيلِ لِأنَّهُ بَيانٌ وإرْشادٌ لِوَسائِلِ نَبْذِ عِبادَةِ ما عَدا اللَّهَ تَعالى، ودَلائِلُ عَلى ذَلِكَ وأمْثالٌ ونُذُرٌ، فالمَقْصُودُ: تَقْسِيمُ التَّفْسِيرِ وهو وجْهُ إعادَةِ حَرْفِ التَّفْسِيرِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ وعَدَمِ الِاكْتِفاءِ بِالَّذِي في الجُمْلَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْها.
والِاسْتِغْفارُ: طَلَبُ المَغْفِرَةِ، أيْ طَلَبُ عَدَمِ المُؤاخَذَةِ بِذَنْبٍ مَضى، وذَلِكَ النَّدَمُ.
والتَّوْبَةُ: الإقْلاعُ عَنْ عَمَلِ ذَنْبٍ، والعَزْمُ عَلى أنْ لا يَعُودَ إلَيْهِ.
وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ؛ لِأنَّ الِاعْتِرافَ بِفَسادِ ما هم فِيهِ مِن عِبادَةِ الأصْنامِ أهَمُّ مِن طَلَبِ المَغْفِرَةِ، فَإنَّ تَصْحِيحَ العَزْمِ عَلى عَدَمِ العَوْدَةِ إلَيْها هو مُسَمّى التَّوْبَةِ، وهَذا تَرْغِيبٌ في نَبْذِ عِبادَةِ الأصْنامِ وبَيانٌ لِما في ذَلِكَ مِنَ الفَوائِدِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
والمَتاعُ: اسْمُ مَصْدَرِ التَّمْتِيعِ لِما يُتَمَتَّعُ بِهِ، أيْ يُنْتَفَعُ. ويُطْلَقُ عَلى مَنافِعِ الدُّنْيا. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] في سُورَةِ الأعْرافِ.
والحَسَنُ: تَقْيِيدٌ لِنَوْعِ المَتاعِ بِأنَّهُ الحَسَنُ في نَوْعِهِ، أيْ خالِصًا مِنَ المُكَدِّراتِ طَوِيلًا بَقاؤُهُ لِصاحِبِهِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ . والمُرادُ بِالمَتاعِ: الإبْقاءُ، أيِ الحَياةُ، والمَعْنى أنَّهُ لا يَسْتَأْصِلُهم. ووَصَفَهُ بِالحُسْنِ لِإفادَةِ أنَّها حَياةٌ طَيِّبَةٌ.
صفحة ٣١٨
وإلى أجَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ يُمَتِّعُكم وهو غايَةٌ لِلتَّمْتِيعِ، وذَلِكَ مَوْعِظَةٌ وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّ هَذا المَتاعَ لَهُ نِهايَةٌ، فَعُلِمَ أنَّهُ مَتاعُ الدُّنْيا. والمَقْصُودُ بِالأجَلِ: أجْلُ كُلِّ واحِدٍ وهو نِهايَةُ حَياتِهِ، وهَذا وعْدٌ بِأنَّهُ نِعْمَةٌ باقِيَةٌ طُولَ الحَياةِ.وجُمْلَةُ ﴿ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ يُمَتِّعْكم. والإيتاءُ: الإعْطاءُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ مِنَ المَتاعِ الحَسَنِ، فَيُعْلَمُ أنَّهُ إعْطاءُ نَعِيمِ الآخِرَةِ. والفَضْلُ: إعْطاءُ اَلْخَيْرِ. سُمِّيَ فَضْلًا لِأنَّ الغالِبَ أنَّ فاعِلَ اَلْخَيْرِ يَفْعَلُهُ بِما هو فاضِلٌ عَنْ حاجَتِهِ، ثُمَّ تُنُوسِيَ ذَلِكَ فَصارَ الفَضْلُ بِمَعْنى إعْطاءِ اَلْخَيْرِ.
والفَضْلُ الأوَّلُ: العَمَلُ الصّالِحُ، بِقَرِينَةِ مُقابَلَتِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ الغَنِيِّ عَنِ النّاسِ. والفَضْلُ الثّانِي المُضافُ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ هو ثَوابُ الآخِرَةِ، بِقَرِينَةِ مُقابَلَتِهِ بِالمَتاعِ في الدُّنْيا. والمَعْنى: ويُؤْتِ اللَّهُ فَضْلَهُ كُلَّ ذِي فَضْلٍ في عَمَلِهِ.
ولَمّا عُلِّقَ الإيتاءُ بِالفَضْلَيْنِ عُلِمَ أنَّ مِقْدارَ الجَزاءِ بِقَدْرِ المُجْزِيِ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ عُلِّقَ بِذِي فَضْلٍ وهو في قُوَّةِ المُشْتَقِّ، فَفِيهِ إشْعارٌ بِالتَّعْلِيلِ وبِالتَّقْدِيرِ. وضَبْطُ ذَلِكَ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، وهو سِرٌّ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ. ونَظِيرُ هَذا مَعَ اخْتِلافٍ في التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ وزِيادَةِ بَيانٍ، قَوْلُهُ - تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]
* * *
﴿وإنْ تَوَلَّوْا فَإنِّيَ أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾عَطْفٌ عَلى ﴿وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ فَهو مِن تَمامِ ما جاءَ تَفْسِيرًا لِـ ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] وهو مِمّا أُوحِيَ بِهِ إلى الرَّسُولِ ﷺ أنْ يَبَلِّغَهُ إلى النّاسِ.
وتَوَلَّوْا: أصْلُهُ تَتَوَلَّوْا، حُذِفَتْ إحْدى التّائَيْنِ تَخْفِيفًا.
صفحة ٣١٩
وتَأْكِيدُ جُمْلَةِ الجَزاءِ بِـ إنْ وبِكَوْنِ المُسْنَدِ إلَيْهِ فِيها اسْمًا مُخْبَرًا عَنْهُ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ لِقَصْدِ شِدَّةِ تَأْكِيدِ تَوَقُّعِ العَذابِ.وتَنْكِيرُ يَوْمٍ لِلتَّهْوِيلِ، لِتَذْهَبَ نُفُوسُهم لِلِاحْتِمالِ المُمْكِنِ أنْ يَكُونَ يَوْمًا في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ؛ لِأنَّهم كانُوا يُنْكِرُونَ الحَشْرَ، فَتَخْوِيفُهم بِعَذابِ الدُّنْيا أوْقَعُ في نُفُوسِهِمْ. وبِذَلِكَ يَكُونُ تَنْكِيرُ يَوْمٍ صالِحًا لِإيقاعِهِ مُقابِلًا لِلْجَزاءَيْنِ في قَوْلِهِ: ﴿يُمَتِّعْكم مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، فَيُقَدِّرُ السّامِعُ: إنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَيْنِ كَما رَجَوْتُ لَكم إنِ اسْتَغْفَرْتُمْ ثَوابَيْنِ.
ووَصْفُهُ بِالكَبِيرِ لِزِيادَةِ تَهْوِيلِهِ، والمُرادُ بِالكِبَرِ الكِبَرُ المَعْنَوِيُّ، وهو شِدَّةُ ما يَقَعُ فِيهِ، أعْنِي العَذابَ، فَوَصْفُ اليَوْمِ بِالكِبَرِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ.