﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وأخْبَتُوا إلى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾

لَمّا ذَكَرَ أحْوالَ البالِغِينَ أقْصى غاياتِ الخَسارَةِ ذَكَرَ مُقابِلَهم الَّذِينَ بَلَغُوا أعْلى دَرَجاتِ السَّعادَةِ. فالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ النُّفُوسَ تَشْرَئِبُّ عِنْدَ سَماعِ حُكْمِ الشَّيْءِ إلى مَعْرِفَةِ حُكْمِ ضِدِّهِ.

والإخْباتُ: الخُضُوعُ والتَّواضُعُ، أيْ أطاعُوا رَبَّهم أحْسَنَ طاعَةٍ.

ومُوقِعُ أُولَئِكَ هُنا مِثْلُ مَوْقِعِهِ في الآيَةِ قَبْلَها.

صفحة ٤٠

وجُمْلَةُ هم فِيها خالِدُونَ في مَوْقِعِ البَيانِ لِجُمْلَةِ أصْحابِ الجَنَّةِ لِأنَّ الخُلُودَ في المَكانِ هو أحَقُّ الأحْوالِ بِإطْلاقِ وصْفِ الصّاحِبِ عَلى الحالِ بِذَلِكَ المَكانِ إذِ الأمْكِنَةُ لا تُقْصَدُ إلّا لِأجْلِ الحُلُولِ فِيها فَتَكُونُ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً لِبَيانِ ما قَبْلَها فَمَنزِلَتُها مَنزِلَةُ عَطْفِ البَيانِ، ولا تُعْرَبُ في مَوْضِعِ خَبَرٍ ثانٍ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ. وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُها في سُورَةِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [البقرة: ٨٢] . فَعُدْ إلَيْهِ وزِدْ إلَيْهِ ما هُنا.