﴿قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] ﴿قالَ لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾

فُصِلَتْ جُمْلَةُ (قالُوا) عَنِ الَّتِي قَبْلَها لِوُقُوعِها مَوْقِعَ المُحاوَرَةِ مَعَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - .

و(لَقَدْ عَلِمْتَ) تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ، فَأُكِّدَ بِتَنْزِيلِهِ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُ أنَّهُ يَعْلَمُ لِأنَّ حالَهُ في عَرْضِهِ بَناتِهِ عَلَيْهِمْ كَحالِ مَن لا يَعْلَمُ خُلُقَهم، وكَذَلِكَ التَّوْكِيدُ في ﴿وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩]، وكِلا الخَبَرَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِ فائِدَةِ الخَبَرِ، أيْ نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ ما لَنا رَغْبَةٌ في بَناتِكَ وإنَّكَ تَعْلَمُ مُرادَنا.

صفحة ١٣٠

ومِثْلُهُ قَوْلُهُ حِكايَةً عَنْ قَوْمِ إبْراهِيمَ ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٥]

و(ما) الأُولى نافِيَةٌ مُعَلِّقَةٌ لِفِعْلِ العِلْمِ عَنِ العَمَلِ، و(ما) الثّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ.

والحَقُّ: ما يَحِقُّ، أيْ يَجِبُ لِأحَدٍ أوْ عَلَيْهِ، فَيُقالُ: لَهُ حَقٌّ في كَذا، إذا كانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، ويُقالُ: ما لَهُ حَقٌّ في كَذا بِمَعْنى لا يَسْتَحِقُّهُ، فالظّاهِرُ أنَّهُ أُطْلِقَ هُنا كِنايَةً عَنْ عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِالشَّيْءِ وعَنِ التَّجافِي عَنْهُ. وهو إطْلاقٌ لَمْ أرَ مِثْلَهُ، وقَدْ تَحَيَّزَ المُفَسِّرُونَ في تَقْرِيرِهِ. والمَعْنى: ما لَنا في بَناتِكَ رَغْبَةٌ.

وجَوابُهُ بِـ ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً﴾ جَوابُ يائِسٍ مِنِ ارْعِوائِهِمْ.

و(لَوْ) مُسْتَعْمَلَةٌ في التَّمَنِّي، وهَذا أقْصى ما أمْكَنَهُ في تَغْيِيرِ هَذا المُنْكَرِ.

والباءُ في بِكم لِلِاسْتِعْلاءِ، أيْ عَلَيْكم. يُقالُ: ما لِي بِهِ قُوَّةٌ وما لِي بِهِ طاقَةٌ. ومِنهُ قَوْلُهُ - تَعالى: ﴿قالُوا لا طاقَةَ لَنا اليَوْمَ بِجالُوتَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]

ويَقُولُونَ: ما لِي بِهَذا الأمْرِ يَدانِ، أيْ قُدْرَةٌ أوْ حِيلَةٌ عَلَيْهِ.

والمَعْنى: لَيْتَ لِي قُوَّةً أدْفَعُكم بِها، ويُرِيدُ بِذَلِكَ قُوَّةَ أنْصارٍ لِأنَّهُ كانَ غَرِيبًا بَيْنَهم.

ومَعْنى ﴿أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ أوْ أعْتَصِمُ بِما فِيهِ مَنَعَةٌ، أيْ بِمَكانٍ أوْ ذِي سُلْطانٍ يَمْنَعُنِي مِنكم.

والرُّكْنُ: الشِّقُّ مِنَ الجَبَلِ المُتَّصِلِ بِالأرْضِ.