Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ويا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكم شِقاقِيَ أنْ يُصِيبَكم مِثْلَ ما أصابَ قَوْمَ نُوحٍ أوْ قَوْمَ هُودٍ أوْ قَوْمَ صالِحٍ وما قَوْمُ لُوطٍ مِنكم بِبَعِيدٍ﴾ ﴿واسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ودُودٌ﴾
تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى النُّكْتَةِ في إعادَةِ النِّداءِ في الكَلامِ الواحِدِ لِمُخاطَبٍ مُتَّحِدٍ قَرِيبًا.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ﴿لا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ أنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] في أوَّلِ العُقُودِ، أيْ لا يَكْسِبَنَّكم.
والشِّقاقُ: مَصْدَرٌ شاقَّهُ إذا عاداهُ. وقَدْ مَضَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم شاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ١٣] في أوَّلِ الأنْفالِ.
والمَعْنى: لا تَجُرُّ إلَيْكم عَداوَتُكم إيّايَ إصابَتَكم بِمِثْلِ ما أصابَ قَوْمَ نُوحٍ إلى آخِرِهِ، فالكَلامُ في ظاهِرِهِ أنَّهُ يَنْهى الشِّقاقَ أنْ يُجَرَّ إلَيْهِمْ ذَلِكَ. والمَقْصُودُ
صفحة ١٤٧
نَهْيُهم عَنْ أنْ يَجْعَلُوا الشِّقاقَ سَبَبًا لِلْإعْراضِ عَنِ النَّظَرِ في دَعْوَتِهِ، فَيُوقِعُوا أنْفُسَهم في أنْ يُصِيبَهم عَذابٌ مِثْلَ ما أصابَ الأُمَمَ قَبْلَهم فَيَحْسَبُوا أنَّهم يَمْكُرُونَ بِهِ بِإعْراضِهِمْ وما يَمْكُرُونَ إلّا بِأنْفُسِهِمْ.ولَقَدْ كانَ فَضْحُ سُوءِ نَواياهُمُ الدّاعِيَةِ لَهم إلى الإعْراضِ عَنْ دَعْوَتِهِ عَقِبَ إظْهارِ حُسْنِ نِيَّتِهِ مِمّا دَعاهم إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكم إلى ما أنْهاكم عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إلّا الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ﴾ [هود: ٨٨] مُصادِفًا مَحَزَّ جَوْدَةِ الخَطابَةِ إذْ رَماهم بِأنَّهم يَعْمَلُونَ بِضِدِّ ما يُعامِلُهم بِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿وما قَوْمُ لُوطٍ مِنكم بِبَعِيدٍ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ النَّصْبِ في قَوْلِهِ: أنْ يُصِيبَكُمُ والواوُ رابِطَةُ الجُمْلَةِ. ولِمَعْنى الحالِ هُنا مَزِيدُ مُناسَبَةٍ لِمَضْمُونِ جُمْلَتِها إذِ اعْتُبِرَ قُرْبُ زَمانِهِمْ بِالمُخاطِبِينَ كَأنَّهُ حالَةٌ مِن أحْوالِ المُخاطَبِينَ.
والمُرادُ بِالبُعْدِ بُعْدُ الزَّمَنِ والمَكانِ والنَّسَبِ، فَزَمَنُ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - غَيْرُ بَعِيدٍ في زَمَنِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، والدِّيارُ قَرِيبَةٌ مِن دِيارِهِمْ، إذْ مَنازِلُ مَدْيَنَ عِنْدَ عَقَبَةِ أيْلَةَ مُجاوِرَةٌ مَعانٍ مِمّا يَلِي الحِجازَ، ودِيارُ قَوْمِ لُوطٍ بِناحِيَةٍ الأُرْدُنِّ إلى البَحْرِ المَيِّتِ وكانَ مَدْيَنُ بْنُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ وهو جَدُّ القَبِيلَةِ المُسَمّاةِ بِاسْمِهِ، مُتَزَوِّجًا بِابْنَةِ لُوطٍ.
وجُمْلَةُ ﴿واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لا يَجْرِمَنَّكم شِقاقِي﴾ .
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ودُودٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِاسْتِغْفارِهِ والتَّوْبَةِ إلَيْهِ، وهو تَعْلِيلٌ لِما يَقْتَضِيهِ الأمْرُ مِن رَجاءِ العَفْوِ عَنْهم إذا اسْتَغْفَرُوا وتابُوا.
وتَفَنَّنَ في إضافَةِ الرَّبِّ إلى ضَمِيرِ نَفْسِهِ مَرَّةً وإلى ضَمِيرِ قَوْمِهِ أُخْرى لِتَذْكِيرِهِمْ بِأنَّهُ رَبُّهم كَيْلا يَسْتَمِرُّوا عَلى الإعْراضِ ولِلتَّشَرُّفِ بِانْتِسابِهِ إلى مَخْلُوقِيَّتِهِ.
والرَّحِيمُ تَقَدَّمَ.
صفحة ١٤٨
والوَدُودُ: مِثالُ مُبالَغَةٍ مِنَ الوُدِّ وهو المَحَبَّةُ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا﴾ [النساء: ٨٩] في سُورَةِ النِّساءِ. والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ المَحَبَّةِ لِمَن يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ.