﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجْمَعُوا أمْرَهم وهم يَمْكُرُونَ﴾ تَذْيِيلٌ لِلْقِصَّةِ عِنْدَ انْتِهائِها.

والإشارَةُ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الحَوادِثِ، أيْ ذَلِكَ المَذْكُورُ. واسْمُ الإشارَةِ لِتَمْيِيزِ الأنْباءِ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ لِتَتَمَكَّنَ مِن عُقُولِ السّامِعِينَ لِما فِيها مِنَ المَواعِظِ.

والغَيْبُ: ما غابَ عَنْ عِلْمِ النّاسِ، وأصْلُهُ مَصْدَرُ غابَ فَسُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ الَّذِي لا يُشاهَدُ. وتَذْكِيرُ ضَمِيرِ (نُوحِيهِ) لِأجْلِ مُراعاةِ اسْمِ الإشارَةِ.

صفحة ٦١

وضَمائِرُ ﴿لَدَيْهِمْ إذْ أجْمَعُوا أمْرَهم وهم يَمْكُرُونَ﴾ عائِدَةٌ إلى كُلِّ مَن صَدَرَ مِنهُ ذَلِكَ في هَذِهِ القِصَّةِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ عَلى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ، يَشْمَلُ إخْوَةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ والسَّيّارَةَ، وامْرَأةَ العَزِيزِ، ونِسْوَتَها.

و﴿أجْمَعُوا أمْرَهُمْ﴾ تَفْسِيرُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ ﴿وأجْمَعُوا أنْ يَجْعَلُوهُ في غَياباتِ الجُبِّ﴾ [يوسف: ١٥] .

والمَكْرُ تَقَدَّمَ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ اسْتِخْلاصٌ لِمَواضِعِ العِبْرَةِ مِنَ القِصَّةِ. وفِيها مِنَّةٌ عَلى النَّبِيءِ ﷺ، وتَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِتَنْبِيهِهِمْ لِإعْجازِ القُرْآنِ مِنَ الجانِبِ العِلْمِيِّ، فَإنَّ صُدُورَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيءِ ﷺ الأُمِّيِّ آيَةٌ كُبْرى عَلى أنَّهُ وحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى. ولِذَلِكَ عُقِّبَ بِقَوْلِهِ ﴿وما أكْثَرُ النّاسِ ولَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] .

وكانَ في قَوْلِهِ ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ تَوَرُّكًا عَلى المُشْرِكِينَ.

وجُمْلَةُ ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ إذْ هي تَمامُ التَّعْجِيبِ.

وجُمْلَةُ ﴿وهم يَمْكُرُونَ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ (أجْمَعُوا)، وأُتِيَ (يَمْكُرُونَ) بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الحالَةِ العَجِيبَةِ.