﴿ولَقَدُ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبْلِكَ فَأمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أخَذْتُهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَوْ أنَّ قُرْءانًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ﴾ [الرعد: ٣١] إلَخَّ؛ لِأنَّ تِلْكَ المُثُلَ الثَّلاثَةَ الَّتِي فُرِضَتْ أُرِيدَ بِها أُمُورٌ سَألَها المُشْرِكُونَ النَّبِيءَ ﷺ اسْتِهْزاءً وتَعْجِيزًا لا لِتَرَقُّبِ حُصُولِها.

وجاءَتْ عَقِبَ الجُمْلَتَيْنِ لِما فِيها مِنَ المُناسَبَةِ لَهُما مِن جِهَةِ المُثُلِ الَّتِي في الأُولى ومِن جِهَةِ الغايَةِ الَّتِي في الثّانِيَةِ.

صفحة ١٤٨

وقَدِ اسْتَهْزَأ قَوْمُ نُوحٍ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنهُ﴾ [هود: ٣٨]، واسْتَهْزَأتْ عادٌ بِهُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿فَأسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفًا مِنَ السَّماءِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٧]، واسْتَهْزَأتْ ثَمُودُ بِصالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿قالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ﴾ [الأعراف: ٦٦]، واسْتَهْزَءُوا بِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ في أمْوالِنا ما نَشاءُ إنَّكَ لَأنَّتِ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧]، واسْتَهْزَأ فِرْعَوْنُ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ ولا يَكادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف: ٥٢] .

والِاسْتِهْزاءُ: مُبالِغَةٌ في الهَزْءِ مِثْلَ الِاسْتِسْخارِ في السُّخْرِيَةِ.

والإمْلاءُ: الإمْهالُ والتَّرْكُ مُدَّةً. ومِنهُ ﴿واهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وأُمْلِي لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٢] في سُورَةِ الأعْرافِ.

والِاسْتِفْهامُ في ﴿فَكَيْفَ كانَ عِقابِ﴾ لِلتَّعْجِيبِ.

وعِقابِ أصْلُهُ عِقابِي مِثْلَ ما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿وإلَيْهِ مَتابِ﴾ [الرعد: ٣٠] والكَلامُ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، ووَعِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ.