Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿واسْتَفْتَحُوا وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ ﴿يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ .
جُمْلَةُ ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ [إبراهيم: ١٣]، أوْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٤] وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾، والمَعْنى: أنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا النَّصْرَ، وضَمِيرُ اسْتَفْتَحُوا عائِدٌ إلى الرُّسُلِ، ويَكُونُ جُمْلَةُ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ [إبراهيم: ١٣] الخَ، أيْ: فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ وخابَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أيْ: لَمْ يَتَحَقَّقْ تَوَعُّدُهُمُ الرُّسُلَ بِقَوْلِهِمْ ﴿لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا﴾ [إبراهيم: ١٣]، ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: وخابَ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَعَدَلَ عَنْهُ إلى ﴿كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا كانُوا جَبابِرَةً عُنَداءَ وأنَّ كُلَّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يَخِيبُ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٣] ويَكُونُ ضَمِيرُ اسْتَفْتَحُوا عائِدًا عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا، أيْ: وطَلَبُوا النَّصْرَ عَلى رُسُلِهِمْ فَخابُوا في ذَلِكَ، ولِكَوْنِ في قَوْلِهِ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ صفحة ٢١٠
والِاسْتِفْتاحُ: طَلَبُ الفَتْحِ وهو النَّصْرُ، قالَ تَعالى ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] .
والجَبّارُ: المُتَعاظِمُ الشَّدِيدُ التَّكَبُّرِ.
والعَنِيدُ: المُعانِدُ لِلْحَقِّ، وتَقَدَّما في قَوْلِهِ ﴿واتَّبَعُوا أمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] في سُورَةِ هُودٍ، والمُرادُ بِهِمُ المُشْرِكُونَ المُتَعاظِمُونَ، فَوَصْفُ ”جَبّارٍ“ خُلُقٌ نَفْسانِيٌّ، ووَصْفُ ”عَنِيدٍ“ مِن أثَرِ وصْفِ جَبّارٍ؛ لِأنَّ العَنِيدَ المُكابِرَ المُعارِضَ لِلْحُجَّةِ.
وبَيْنَ خافَ وعِيدِ، ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ جِناسٌ مُصَحَّفٌ.
وقَوْلُهُ ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾ صِفَةٌ لِـ جَبّارٍ عَنِيدٍ أيْ: خابَ الجَبّارُ العَنِيدُ في الدُّنْيا، ولَيْسَ ذَلِكَ حَظُّهُ مِنَ العِقابِ بَلْ وراءَهُ عِقابُ الآخِرَةِ.
والوَراءُ: مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنى ما يَنْتَظِرُهُ ويَحِلُّ بِهِ مِن بَعْدُ، فاسْتُعِيرَ لِذَلِكَ بِجامِعِ الغَفْلَةِ عَنِ الحُصُولِ كالشَّيْءِ الَّذِي يَكُونُ مِن وراءِ المَرْءِ لا يَشْعُرُ بِهِ؛ لِأنَّهُ لا يَراهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وكانَ وراءَهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩]، أيْ: وهم غافِلُونَ عَنْهُ ولَوْ ظَفِرَ بِهِمْ لِأفْتَكَ سَفِينَتَهم، وقَوْلُ هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ:
عَسى الكَرْبُ الَّذِي أمْسَيْتَ فِيهِ يَكُونُ وراءَهُ فَرَجٌ قَرِيبٌ
وأمّا إطْلاقُ الوَراءِ عَلى مَعْنى (مِن بَعْدِ) فاسْتِعْمالٌ آخَرُ قَرِيبٌ مِن هَذا ولَيْسَ عَيْنَهُ.والمَعْنى: أنَّ جَهَنَّمَ تَنْتَظِرُهُ، أيْ: فَهو صائِرٌ إلَيْها بَعْدَ مَوْتِهِ.
صفحة ٢١١
والصَّدِيدُ: المُهْلَةُ. أيْ: مِثْلُ الماءِ يَسِيلُ مِنَ الدُّمَّلِ ونَحْوِهِ، وجَعَلَ الصَّدِيدَ ماءً عَلى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ في الإسْقاءِ، لِأنَّ شَأْنَ الماءِ أنْ يُسْقى، والمَعْنى: ويُسْقى صَدِيدًا عِوَضَ الماءِ إنْ طَلَبَ الإسْقاءَ، ولِذَلِكَ جُعِلَ ”صَدِيدًا“ عَطْفَ بَيانٍ لِـ ”ماءٍ“، وهَذا مِن وُجُوهِ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ.وعَطْفُ جُمْلَةِ (يُسْقى) عَلى جُمْلَةِ ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾؛ لِأنَّ السَّقْيَ مِنَ الصَّدِيدِ شَيْءٌ زائِدٌ عَلى نارِ جَهَنَّمَ والتَّجَرُّعُ: تَكَلُّفُ الجَرْعِ، والجَرْعِ: بَلْعُ الماءِ.
ومَعْنى (يُسِيغُهُ) يَفْعَلُ سَوْغَهُ في حَلْقِهِ، والسَّوْغُ: انْحِدارُ الشَّرابِ في الحَلْقِ بِدُونِ غُصَّةٍ، وذَلِكَ إذا كانَ الشَّرابُ غَيْرَ كَرِيهِ الطَّعْمِ ولا الرِّيحِ، يُقالُ: ساغَ الشَّرابُ، وشَرابٌ سائِغٌ، ومَعْنى لا يَكادُ يُسِيغُهُ لا يُقارِبُ أنْ يُسِيغَهُ فَضْلًا عَنْ أنْ يُسِيغَهُ بِالفِعْلِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وإتْيانُ المَوْتِ: حُلُولُهُ، أيْ: حُلُولُ آلامِهِ وسَكَراتِهِ، قالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيمِ:
مَتى يَأْتِ هَذا المَوْتُ لا تَبْقَ حاجَةٌ لِنَفْسِي إلّا قَدْ قَضَيْتُ قَضاءَها بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿وما هو بِمَيِّتٍ﴾، أيْ: فَيَسْتَرِيحُ.
والكَلامُ عَلى قَوْلِهِ ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ مِثْلُ الكَلامِ في قَوْلِهِ ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾، أيْ: يَنْتَظِرُهُ عَذابٌ آخَرُ بَعْدَ العَذابِ الَّذِي هو فِيهِ.
والغَلِيظُ: حَقِيقَتُهُ الخَشِنُ الجِسْمِ، وهو مُسْتَعْمَلٌ هُنا في القُوَّةِ والشِّدَّةِ بِجامِعِ الوَفْرَةِ في كُلٍّ، أيْ: عَذابٌ لَيْسَ بِأخَفِّ مِمّا هو فِيهِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ونَجَّيْناهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] في سُورَةِ هُودٍ.