﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكم إلى النّارِ﴾

عَطْفٌ عَلى بَدَّلُوا وأحَلُّوا، فالضَّمِيرُ راجِعٌ إلى ”الَّذِينَ“ وهم أئِمَّةُ الشِّرْكِ، والجَعْلُ يَصْدُقُ بِاخْتِراعِ ذَلِكَ كَما فَعَلَعَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وهو مِن خُزاعَةَ، ويَصْدُقُ بِتَقْرِيرِ ذَلِكَ ونَشْرِهِ والِاحْتِجاجِ لَهُ، مِثْلَ وضْعِ أهْلِ مَكَّةَ الأصْنامَ في الكَعْبَةِ ووَضْعِ هُبَلَ عَلى سَطْحِها.

والأنْدادُ: جَمْعُ نِدٍّ بِكَسْرِ النُّونِ، وهو المُماثِلُ في مَجْدٍ ورِفْعَةٍ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا﴾ [البقرة: ٢٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ.

وقَرَأ الجُمْهُورُ لِيُضِلُّوا بِضَمِّ الياءِ التَّحْتِيَّةِ مِن أضَلَّ غَيْرَهُ إذا جَعَلَهُ ضالًّا، فَجَعَلَ الإضْلالَ عِلَّةً لِجَعْلِهِمْ لِلَّهِ أنْدادًا، وإنْ كانُوا لَمْ يَقْصِدُوا تَضْلِيلَ النّاسِ وإنَّما قَصَدُوا مَقاصِدَ هي مُساوِيَةٌ لِلتَّضْلِيلِ؛ لِأنَّها أوْقَعَتِ النّاسَ في الضَّلالِ، فَعُبِّرَ عَلى مَساوِي التَّضْلِيلِ بِالتَّضْلِيلِ؛ لِأنَّهُ آيِلٌ إلَيْهِ وإنْ لَمْ يَقْصِدُوهُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: لِلضَّلالِ عَنْ سَبِيلِهِ، تَشْنِيعًا عَلَيْهِمْ بِغايَةِ فِعْلِهِمْ وهم ما أضَلُّوا إلّا وقَدْ ضَلُّوا، فَعُلِمَ أنَّهم ضَلُّوا وأضَلُّوا، وذَلِكَ إيجازٌ.

وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ورُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوبَ لِيَضِلُّوا بِفَتْحِ الياءِ والمَعْنى: لِيَسْتَمِرَّ ضَلالُهم فَإنَّهم حِينَ جَعَلُوا الأنْدادَ كانَ ضَلالُهم حاصِلًا في

صفحة ٢٣١

زَمَنِ الحالِ، ومَعْنى لامِ التَّعْلِيلِ أنْ تَكُونَ مُسْتَقْبَلَةً لِأنَّها بِتَقْدِيرِ (أنْ) المَصْدَرِيَّةِ بَعْدَ لامِ التَّعْلِيلِ.

ويُعْلَمُ أنَّهم أضَلُّوا النّاسَ مِن قَوْلِهِ وأحَلُّوا قَوْمَهم دارَ البَوارِ.

وسَبِيلُ اللَّهِ: كُلُّ عَمَلٍ يَجْرِي عَلى ما يُرْضِي اللَّهَ، شِبْهُ العَمَلِ بِالطَّرِيقِ المُوَصِّلَةِ إلى المَحَلَّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.

وجُمْلَةُ ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ المُخاطَبَ بِـ ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا﴾ [إبراهيم: ٢٨] إذا عَلِمَ هَذِهِ الأحْوالَ يَتَساءَلُ عَنِ الجَزاءِ المُناسِبِ لِجُرْمِهِمْ وكَيْفَ تَرَكَهُمُ اللَّهُ يَرْفُلُونَ في النَّعِيمِ، فَأُجِيبَ بِأنَّهم يَصِيرُونَ إلى النّارِ، أيْ: يَمُوتُونَ فَيَصِيرُونَ إلى العَذابِ.

وأُمِرَ بِأنْ يُبْلِغَهم ذَلِكَ؛ لِأنَّهم كانُوا يَزْدَهُونَ بِأنَّهم في تَنَعُّمٍ وسِيادَةٍ، وهَذا كَقَوْلِهِ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.