Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهم سِرًّا وعَلانِيَةً مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خِلالٌ﴾
اسْتِئْنافٌ نَشَأ عَنْ ذِكْرِ حالِ الفَرِيقِ الَّذِي حَقَّتْ عَلَيْهِ الكَلِمَةُ الخَبِيثَةُ بِذِكْرِ حالِ مُقابِلِهِ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي حَقَّتْ عَلَيْهِ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، فَلَمّا ابْتُدِئَ بِالفَرِيقِ الأوَّلِ لِقَصْدِ المَوْعِظَةِ والتَّخَلِّي ثُنِّىَ بِالفَرِيقِ الثّانِي عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِراضِ بَيْنَ أغْراضِ الكَلامِ كَما سَيَأْتِي في الآيَةِ عَقِبَها.
ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الإسْراءِ ”وقالُوا أإذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا إنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُلْ كُونُوا حِجارَةً“ إلى أنْ قالَ ﴿وقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] .
صفحة ٢٣٢
ولَمّا كانُوا مُتَحَلِّينَ بِالكَمالِ صِيَغَ الحَدِيثُ عَنْهم بِعُنْوانِ الوَصْفِ بِالإيمانِ، وبِصِيغَةِ الأمْرِ بِما هم فِيهِ مِن صَلاةٍ وإنْفاقٍ لِقَصْدِ الدَّوامِ عَلى ذَلِكَ، فَحَصَلَتْ بِذَلِكَ مُناسَبَةُ وقْعِ هَذِهِ الآيَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَها لِمُناسَبَةِ تَضادِّ الحالَيْنِ.ولَمّا كانَ المُؤْمِنُونَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ مِن قَبْلُ ويُنْفِقُونَ مِن قَبْلُ تَعَيَّنَ أنَّ المُرادَ الِاسْتِزادَةُ مِن ذَلِكَ، ولِذَلِكَ اخْتِيرَ المُضارِعُ مَعَ تَقْدِيرِ لامِ الأمْرِ دُونَ صِيغَةِ فِعْلِ الأمْرِ؛ لِأنَّ المُضارِعَ دالٌّ عَلى التَّجَدُّدِ، فَهو مَعَ لامِ الأمْرِ يُلاقِي حالَ المُتَلَبِّسِ بِالفِعْلِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ بِخِلافِ صِيغَةِ (افْعَلْ) فَإنَّ أصْلَها طَلَبُ إيجادِ الفِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ مَن لَمْ يَكُنْ مُلْتَبِسًا بِهِ، فَأصْلُ يُقِيمُوا الصَّلاةَ لِيُقِيمُوا، فَحُذِفَتْ لامُ الأمْرِ تَخْفِيفًا.
وهَذِهِ هي نُكْتَةُ وُرُودِ مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ في مَواضِعِ وُرُودِهِ، كَما في هَذِهِ الآيَةِ وفي قَوْلِهِ وقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هي أحْسَنُ في سُورَةِ الإسْراءِ، أيْ: قُلْ لَهم لِيُقِيمُوا ولْيَقُولُوا، فَحُكِيَ بِالمَعْنى.
وعِنْدِي: أنَّ مِنهُ قَوْلَهُ تَعالى ذَرْهم يَأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ويُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ في سُورَةِ الحِجْرِ، أيْ: ذَرْهم لِيَأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ويُلْهِهِمُ الأمَلُ، فَهو أمْرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الإمْلاءِ والتَّهْدِيدِ، ولِذَلِكَ نُوقِنُ بِأنَّ الأفْعالَ هَذِهِ مَعْمُولَةٌ لِلامِ أمْرٍ مَحْذُوفَةٍ، وهَذا قَوْلُ الكِسائِيِّ إذا وقَعَ الفِعْلُ المَجْزُومُ بِلامِ الأمْرِ المَحْذُوفَةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ فِعْلِ (قُلْ)، كَما في مُغْنِي اللَّبِيبِ، ووافَقَهُ ابْنُ مالِكٍ في شَرْحِ الكافِيَةِ، وقالَ بَعْضُهم: جَزْمُ الفِعْلِ المُضارِعِ في جَوابِ الأمْرِ بِـ (قُلْ) عَلى تَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ هو المَقُولُ دَلَّ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ، والتَّقْدِيرُ: قُلْ لِعِبادِي أقِيمُوا يُقِيمُوا وأنْفِقُوا يُنْفِقُوا، وقالَ الكِسائِيُّ وابْنُ مالِكٍ إنَّ ذَلِكَ خاصٌّ بِما يَقَعُ بَعْدَ الأمْرِ بِالقَوْلِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، وفاتَهم نَحْوُ آيَةِ ذَرْهم يَأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ﴿وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] مِمّا رَزَقْناهم لِلتَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ تَحْرِيضًا عَلى الإنْفاقِ لِيَكُونَ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ.
صفحة ٢٣٣
وسِرًّا وعَلانِيَةً حالانِ مِن ضَمِيرِ يُنْفِقُوا، وهُما مَصْدَرانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى سِرًّا وعَلانِيَةً في سُورَةِ البَقَرَةِ، والمَقْصُودُ تَعْمِيمُ الأحْوالِ في طَلَبِ الإنْفاقِ لِكَيْلا يَظُنُّوا أنَّ الإعْلانَ يَجُرُّ إلى الرِّياءِ كَما كانَ حالُ الجاهِلِيَّةِ، أوْ أنَّ الإنْفاقَ (سِرًّا) يُفْضِي إلى إخْفاءِ الغَنِيِّ نِعْمَةَ اللَّهِ؛ فَيُجَرُّ إلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ، فَرُبَّما تَوَخّى المَرْءُ أحَدَ الحالَيْنِ فَأفْضى إلى تَرْكِ الإنْفاقِ في الحالِ الآخَرِ فَتَعَطَّلَ نَفْعٌ كَثِيرٌ، وثَوابٌ جَزِيلٌ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لِلنّاسِ أنَّ الإنْفاقَ بِرٌّ لا يُكَدِّرُهُ ما يَحُفُّ بِهِ مِنَ الأحْوالِ، وإنَّما الأعْمالُ بِالنِّيّاتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهم الآيَةَ.وقِيلَ المَقْصُودُ مِنَ السِّرِّ: الإنْفاقُ المُتَطَوَّعُ بِهِ، ومِنَ العَلانِيَةِ: الإنْفاقُ الواجِبُ.
وتَقْدِيمُ السِّرِّ عَلى العَلانِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ أوْلى الحالَيْنِ لِبُعْدِهِ عَنْ خَواطِرِ الرِّياءِ؛ ولِأنَّ فِيهِ اسْتِبْقاءً لِبَعْضِ حَياءِ المُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ الخَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ ﴿يُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُنْفِقُوا﴾، أيْ: لِيَفْعَلُوا ذَيْنِكَ الأمْرَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ اليَوْمِ الَّذِي تَتَعَذَّرُ فِيهِ المُعاوَضاتُ والإنْفاقُ، وهَذا كِنايَةٌ عَنْ عَظِيمِ مَنافِعِ إقامَةِ الصَّلاةِ والإنْفاقِ قَبْلَ يَوْمِ الجَزاءِ عَنْهُما حِينَ يَتَمَنَّوْنَ أنْ يَكُونُوا ازْدادُوا مِن ذَيْنِكَ لِما يَسُرُّهم مِن ثَوابِهِما فَلا يَجِدُونَ سَبِيلًا لِلِاسْتِزادَةِ مِنهُما، إذْ لا بَيْعَ يَوْمَئِذٍ فَيُشْتَرى الثَّوابُ ولا خِلالَ مِن شَأْنِها الإرْفادُ والإسْعافُ بِالثَّوابِ، فالمُرادُ بِالبَيْعِ: المُعاوَضَةُ، وبِالخِلالِ: الكِنايَةُ عَنِ التَّبَرُّعِ.
ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكم مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وبِهَذا تَبَيَّنَ أنَّ المُرادَ مِنَ الخِلالِ هُنا آثارُها، بِقَرِينَةِ المَقامِ، ولَيْسَ المُرادُ نَفْيَ الخُلَّةِ، أيِ الصُّحْبَةِ والمَوَدَّةِ؛ لِأنَّ المَوَدَّةَ ثابِتَةٌ بَيْنَ المُتَّقِينَ، قالَ تَعالى:
صفحة ٢٣٤
﴿الأخِلّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧]، وقَدْ كَفى بِنَفْيِ البَيْعِ والخِلالِ الَّتِي هي وسائِلُ النَّوالِ والإرْفادِ عَنِ انْتِفاءِ الِاسْتِزادَةِ.وإدْخالُ حَرْفِ الجَرِّ عَلى اسْمِ الزَّمانِ هو (قَبْلِ) لِتَأْكِيدِ القَبْلِيَّةِ لِيُفْهَمَ مَعْنى المُبادَرَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ لا بَيْعٌ بِالرَّفْعِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ بِالبِناءِ عَلى الفَتْحِ، وهُما وجْهانِ في نَفْيِ النَّكِرَةِ بِحَرْفِ (لا) .