Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ولا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾
عَطْفٌ عَلى الجُمَلِ السّابِقَةِ، ولَهُ اتِّصالٌ بِجُمْلَةِ ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكم إلى النّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠] الَّذِي هو وعِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وإنْذارٌ لَهم بِأنْ لا يَغْتَرُّوا بِسَلامَتِهِمْ وأمْنِهِمْ؛ تَنْبِيهًا لَهم عَلى أنَّ ذَلِكَ مَتاعٌ قَلِيلٌ زائِلٌ، فَأكَّدَ ذَلِكَ الوَعِيدَ بِهَذِهِ الآيَةِ، مَعَ إدْماجِ تَسْلِيَةِ الرَّسُولِ ﷺ عَلى ما يَتَطاوَلُونَ بِهِ مِنَ النِّعْمَةِ والدَّعَةِ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ [إبراهيم: ٤٧]، وفي مَعْنى الآيَةِ قَوْلُهُ ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهم قَلِيلًا﴾ [المزمل: ١١] .
وبِاعْتِبارِ ما فِيهِ مِن زِيادَةِ مَعْنى التَّسْلِيَةِ وما انْضَمَّ إلَيْهِ مِن وصْفِ فَظاعَةِ حالِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ الحَشْرِ حَسُنَ اقْتِرانُ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِالعاطِفِ ولَمْ تُفْصَلْ.
وصِيغَةُ ”لا تَحْسَبَنَّ“ ظاهِرُها نَهْيٌ عَنْ حُسْبانِ ذَلِكَ، وهَذا النَّهْيُ كِنايَةٌ عَنْ إثْباتِ وتَحْقِيقِ ضِدِّ المَنهِيِّ عَنْهُ في المَقامِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُثِيرَ لِلنّاسِ ظَنَّ وُقُوعِ المَنهِيِّ عَنْهُ لِقُوَّةِ الأسْبابِ المُثِيرَةِ لِذَلِكَ، وذَلِكَ أنَّ إمْهالَهم وتَأْخِيرَ
صفحة ٢٤٦
عُقُوبَتِهِمْ يُشْبِهُ حالَةَ الغافِلِ عَنْ أعْمالِهِمْ، أيْ: تَحَقَّقْ أنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغافِلٍ، وهو كِنايَةٌ ثانِيَةٌ عَنْ لازِمِ عَدَمِ الغَفْلَةِ وهو المُؤاخَذَةُ، فَهو كِنايَةٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ، ذَلِكَ؛لِأنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يُؤْذِنُ بِأنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ بِحَيْثُ يَتَلَبَّسُ بِهِ المُخاطَبُ، فَنَهْيُهُ عَنْهُ تَحْذِيرٌ مِنَ التَّلَبُّسِ بِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَقْدِيرِ تَلَبُّسِ المُخاطَبِ بِذَلِكَ الحُسْبانِ، وعَلى هَذا الِاسْتِعْمالِ جاءَتِ الآيَةُ سَواءً جَعَلْنا الخِطابَ لِكُلِّ مَن يَصِحَّ أنْ يُخاطَبَ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّبِيءُ ﷺ أمْ جَعَلْناهُ لِلنَّبِيِّ ابْتِداءً ويَدْخُلُ فِيهِ أُمَّتُهُ.ونَفْيِ الغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ جارِيًا عَلى صَرِيحِ مَعْناهُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَظُنُّهُ مُؤْمِنٌ، بَلْ هو كِنايَةٌ عَنِ النَّهْيِ عَنِ اسْتِعْجالِ العَذابِ لِلظّالِمِينَ، ومِنهُ جاءَ مَعْنى التَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ ﷺ .
والغَفْلَةُ: الذُّهُولُ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٦] في سُورَةِ الأنْعامِ.
والمُرادُ بِالظُّلْمِ هُنا: الشِّرْكُ؛ لِأنَّهُ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ بِإيقاعِها في سَبَبِ العَذابِ المُؤْلِمِ، وظُلْمٌ لِلَّهِ بِالِاعْتِداءِ عَلى ما يَجِبُ لَهُ مِنَ الِاعْتِرافِ بِالوَحْدانِيَّةِ، ويَشْمَلُ ذَلِكَ ما كانَ مِنَ الظُّلْمِ دُونَ الشِّرْكِ مِثْلَ ظُلْمِ النّاسِ بِالِاعْتِداءِ عَلَيْهِمْ أوْ حِرْمانِهِمْ حُقُوقَهم فَإنَّ اللَّهَ غَيْرُ غافِلٍ عَنْ ذَلِكَ، ولِذَلِكَ قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هي تَسْلِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ وتَهْدِيدٌ لِلظّالِمِ.
وقَوْلُهُ فِيهِ الأبْصارُ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا﴾ الخَ.
وشُخُوصُ البَصَرِ: ارْتِفاعُهُ كَنَظَرِ المَبْهُوتِ الخائِفِ.
و(ألْ) في الأبْصارِ لِلْعُمُومِ، أيْ: تَشْخَصُ فِيهِ أبْصارُ النّاسِ مِن هَوْلِ ما يَرَوْنَ، ومِن جُمْلَةِ ذَلِكَ مُشاهَدَةُ هَوْلِ أحْوالِ الظّالِمِينَ.
والإهْطاعُ: إسْراعُ المَشْيِ مَعَ مَدِّ العُنُقِ كالمُتَخَتِّلِ، وهي هَيْئَةُ الخائِفِ.
وإقْناعُ الرَّأْسِ: طَأْطَأتُهُ مِنَ الذُّلِّ، وهو مُشْتَقٌّ مِن قَنَعَ مِن بابِ مَنَعَ إذا تَذَلَّلَ، و﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ حالانِ.
صفحة ٢٤٧
وجُمْلَةُ ﴿لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ أيْضًا، والطَّرْفُ: تَحَرُّكُ جَفْنِ العَيْنِ.ومَعْنى ﴿لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ﴾ لا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، أيْ: لا يَعُودُ إلى مُعْتادِهِ، أيْ: لا يَسْتَطِيعُونَ تَحْوِيلَهُ. فَهو كِنايَةٌ عَنْ هَوْلِ ما شاهَدُوهُ بِحَيْثُ يَبْقُونَ ناظِرِينَ إلَيْهِ لا تُطْرَفُ أعْيُنُهم.
وقَوْلُهُ ﴿وأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، إذْ هي كالهَواءِ في الخُلُوِّ مِنَ الإدْراكِ لِشِدَّةِ الهَوْلِ، والهَواءُ في كَلامِ العَرَبِ: الخَلاءُ، ولَيْسَ هو المَعْنى المُصْطَلَحُ عَلَيْهِ في عِلْمِ الطِّبِّ وعِلْمِ الهَيْئَةِ.