﴿فَلا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ رُسُلَهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾

تَفْرِيعٌ عَلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: ٤٢]، وهَذا مَحَلُّ التَّسْلِيَةِ، والخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: ٤٢]؛ لِأنَّ تَأْخِيرَ ما وعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ مِن إنْزالِ العِقابِ بِأعْدائِهِ يُشْبِهُ حالَ المُخْلِفِ وعْدَهُ، فَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ حُسْبانِهِ.

وأُضِيفَ مُخْلِفَ إلى مَفْعُولِهِ الثّانِي وهو ”وعْدَهُ“ وإنْ كانَ المَفْعُولُ الأوَّلُ هو الأصْلُ في التَّقْدِيمِ والإضافَةُ إلَيْهِ؛ لِأنَّ الِاهْتِمامَ بِنَفْيِ إخْلافِ الوَعْدِ أشَدُّ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَ وعْدَهُ عَلى رُسُلِهِ.

و(رُسُلَهُ): جَمْعٌ مُرادٌ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ لا مَحالَةَ، فَهو جَمْعٌ مُسْتَعْمَلٌ في الواحِدِ مَجازًا، وهَذا تَثْبِيتٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِأنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَهُ ما وعَدَهُ مِن نَصْرِهِ عَلى الكافِرِينَ بِهِ، فَأمّا وعْدُهُ لِلرُّسُلِ السّابِقِينَ فَذَلِكَ أمْرٌ قَدْ تَحَقَّقَ فَلا يُناسِبُ أنْ يَكُونَ مُرادًا مِن ظاهِرِ جَمْعِ رُسُلِهِ.

وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ حُسْبانِهِ مُخْلِفَ وعْدَهُ.

والعِزَّةُ: القُدْرَةُ، والمَعْنى: أنَّ مُوجِبَ إخْلافِ الوَعْدِ مُنْتَفٍ عَنِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ إخْلافَ الوَعْدِ يَكُونُ إمّا عَنْ عَجْزٍ وإمّا عَنْ عَدَمِ اعْتِيادِ المَوْعُودِ بِهِ، فالعِزَّةُ

صفحة ٢٥٢

تَنْفِي الأوَّلَ وكَوْنُهُ صاحِبَ انْتِقامٍ يَنْفِي الثّانِي، وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ أيْضًا وبِها تَمَّ الكَلامُ.