صفحة ٦٦

﴿وجا أهْلُ المَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ﴿قالَ إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ﴾ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ﴾ عَطْفُ جُزْءٍ مِن قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ وهو الجُزْءُ الأهَمُّ فِيها.

ومَجِيءُ أهْلِ المَدِينَةِ إلَيْهِ ومُحاوَرَتُهُ مَعَهم كانَ قَبْلَ أنْ يَعْلَمَ أنَّهم مَلائِكَةٌ ولَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَما أشْفَقَ مِمّا عَزَمَ عَلَيْهِ أهْلُ المَدِينَةِ لَمّا عَلِمَ بِما عَزَمُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مُجادَلَتِهِمْ مَعَهُ، كَما جاءَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] في سُورَةِ هُودٍ، والواوُ لا تُفِيدُ تَرَتُّبَ مَعْطُوفِها.

ويَجُوزُ جَعْلُ الجُمْلَةِ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ لُوطٍ المُسْتَتِرِ في فِعْلِ ﴿قالَ إنَّكم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ [الحجر: ٦٢]، أوِ الهاءِ في (إلَيْهِ)، ولا إشْكالَ حِينَئِذٍ. والمَدِينَةُ هي سَدُومُ. و يَسْتَبْشِرُونَ يَفْرَحُونَ ويُسَرُّونَ، وهو مُطاوِعُ بَشَّرَهُ فاسْتَبْشَرَ، قالَ تَعالى ﴿فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ﴾ [التوبة: ١١١] في سُورَةِ بَراءَةٍ، وصِيغَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ؛ لِإفادَةِ التَّجَدُّدِ مُبالَغَةً في الفَرَحِ، وذَلِكَ أنَّهم عَلِمُوا أنَّ رِجالًا غُرَباءَ حَلُّوا بِبَيْتِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ لِيَغْتَصِبُوهم كَعادَتِهِمُ السَّيِّئَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَتِ القِصَّةُ في سُورَةِ هُودٍ.

والفَضْحُ والفَضِيحَةُ: شُهْرَةُ حالٍ شَنِيعَةٍ، وكانُوا يَتَعَيَّرُونَ بِإهانَةِ الضَّيْفِ ويُعَدُّ ذَلِكَ مَذَلَّةً لِمُضِيفِهِ، وقَدْ ذَكَّرَهم بِالوازِعِ الدِّينِيِّ وإنْ كانُوا كُفّارًا اسْتِقْصاءً لِلدَّعْوَةِ الَّتِي جاءَ بِها، وبِالوازِعِ العُرْفِيِّ فَقالَ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ﴾ كَما في قَوْلِ عَبْدِ بَنِي الحِسْحاسِ:

كَفى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيًا

والخِزْيُ: الذُّلُّ والإهانَةُ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إلّا خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [البقرة: ٨٥] في أوائِلِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وتَقَدَّمَ في مِثْلِ هَذِهِ القِصَّةِ في سُورَةِ هُودٍ.