﴿وإنْ كانَ أصْحابُ الأيْكَةِ لَظالِمِينَ﴾ ﴿فانْتَقَمْنا مِنهُمْ﴾ [الحجر: ٧٩]

عَطَفَ قِصَّةً عَلى قِصَّةٍ لِما في كِلْتَيْهِما مِنَ المَوْعِظَةِ، وذِكْرُ هاتَيْنِ القِصَّتَيْنِ المَعْطُوفَتَيْنِ تَكْمِيلٌ وإدْماجٌ إذْ لا عَلاقَةَ بَيْنَهُما وبَيْنَ ما قَبْلَهُما مِن قِصَّةِ إبْراهِيمَ

صفحة ٧١

والمَلائِكَةِ، وخَصَّ بِالذِّكْرِ أصْحابَ الأيْكَةِ، وأصْحابَ الحِجْرِ؛ لِأنَّهم مِثْلُ قَوْمِ لُوطٍ في مَوْعِظَةِ المُشْرِكِينَ مِنَ المَلائِكَةِ؛ لِأنَّ أهْلَ مَكَّةَ يُشاهِدُونَ دِيارَ هَذِهِ الأُمَمِ الثَّلاثِ.

و(إنْ) مُخَفَّفَةُ (إنَّ) وقَدْ أُهْمِلَ عَمَلُها بِالتَّخْفِيفِ فَدَخَلَتْ عَلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ، واللّامُ الدّاخِلَةُ عَلى (لَظالِمِينَ) اللّامُ الفارِقَةُ بَيْنَ (إنَّ) الَّتِي أصْلُها مُشَدَّدَةٌ وبَيْنَ (إنَّ) النّافِيَةِ.

والأيْكَةُ: الغَيْضَةُ مِنَ الأشْجارِ المُلْتَفُّ بَعْضُها بِبَعْضٍ، واسْمُ الجَمْعِ (أيْكٌ)، وأُطْلِقَتْ هُنا مُرادًا بِها الجِنْسُ إذْ قَدْ كانَتْ مَنازِلُهم في غَيْضَةٍ مِنَ الأشْجارِ الكَثِيرَةِ والوَرَقِ، وقَدْ تُخَفَّفُ الأيْكَةُ فَيُقالُ لَيْكَةُ.

وأصْحابُ الأيْكَةِ: هم قَوْمُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وهم مَدْيَنُ. وقِيلَ أصْحابُ الأيْكَةِ فَرِيقٌ مِن قَوْمِ شُعَيْبٍ غَيْرُ أهْلِ مَدْيَنَ، فَأهْلُ مَدْيَنَ سُكّانُ الحاضِرَةِ وأصْحابُ الأيْكَةِ هم بادِيَتُهم، وكانَ شُعَيْبٌ رَسُولًا إلَيْهِمْ جَمِيعًا، قالَ تَعالى (﴿كَذَّبَ أصْحابُ الأيْكَةِ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٦] ﴿إذْ قالَ لَهم شُعَيْبٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: ١٧٧])، وسَيَأْتِي الكَلامُ عَلى ذَلِكَ مُسْتَوْفِيًا في سُورَةِ الشُّعَراءِ.

والظّالِمُونَ: المُشْرِكُونَ.

والِانْتِقامُ: العُقُوبَةُ لِأجْلِ ذَنْبٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّقْمِ، وهو الإنْكارُ عَلى الفِعْلِ، يُقالُ: نَقَمَ عَلَيْهِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، ونَقَمَ مِنهُ أيْضًا. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ (﴿وما تَنْقِمُ مِنّا﴾ [الأعراف: ١٢٦]) في سُورَةِ الأعْرافِ، وأُجْمِلَ الِانْتِقامُ في هَذِهِ الآيَةِ وبُيِّنَ في آياتٍ أُخْرى مِثْلِ آيَةِ هُودٍ.