Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ومِنها جائِرٌ ولَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، اقْتَضَتِ اعْتِراضَها مُناسَبَةُ الِامْتِنانِ بِنِعْمَةِ تَيْسِيرِ الأسْفارِ بِالرَّواحِلِ، والخَيْلِ، والبِغالِ، والحَمِيرِ.
صفحة ١١٢
فَلَمّا ذُكِرَتْ نِعْمَةُ تَيْسِيرِ السَّبِيلِ المُوَصِّلَةِ إلى المَقاصِدِ الجُثْمانِيَّةِ ارْتَقى إلى التَّذْكِيرِ بِسَبِيلِ الوُصُولِ إلى المَقاصِدِ الرَّوْحانِيَّةِ، وهو سَبِيلُ الهُدى، فَكانَ تَعَهُّدُ اللَّهِ بِهَذِهِ السَّبِيلِ نِعْمَةً أعْظَمَ مِن تَيْسِيرِ المَسالِكِ الجُثْمانِيَّةِ؛ لِأنَّ سَبِيلَ الهُدى تَحْصُلُ بِهِ السَّعادَةُ الأبَدِيَّةُ، وهَذا السَّبِيلُ هي مَوْهِبَةُ العَقْلِ الإنْسانِيِّ الفارِقِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، وإرْسالُ الرُّسُلِ لِدَعْوَةِ النّاسِ إلى الحَقِّ، وتَذْكِيرُهم بِما يَغْفُلُونَ عَنْهُ، وإرْشادُهم إلى ما لا تَصِلُ إلَيْهِ عُقُولُهم أوْ تَصِلُ إلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ عَلى خَطَرٍ مِنَ التَّوَرُّطِ في بِنْياتِ الطَّرِيقِ.فالسَّبِيلُ: مَجازٌ لِما يَأْتِيهِ النّاسُ مِنَ الأعْمالِ مِن حَيْثُ هي مُوَصِّلَةٌ إلى دارِ الثَّوابِ أوْ دارِ العِقابِ، كَما في قَوْلِهِ ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: ١٠٨]، ويَزِيدُ هَذِهِ المُناسَبَةَ بَيانًا لِما شَرَحْتُ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ ناسَبَ التَّنْبِيهَ عَلى أنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ لِلْهُدى، وإزالَةٌ لِلْعُذْرِ، وأنَّ مِن بَيْنِ الطُّرُقِ الَّتِي يَسْلُكُها النّاسُ طَرِيقَ ضَلالٍ وجَوْرٍ.
وقَدِ اسْتُعِيرَ لِتَعَهُّدِ اللَّهِ بِتَبْيِينِ سَبِيلِ الهُدى حَرْفُ (عَلى) المُسْتَعارُ كَثِيرًا في القُرْآنِ، وكَلامُ العَرَبِ لِمَعْنى التَّعَهُّدِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى﴾ [الليل: ١٢]، شَبَّهَ التِزامَ هَذا البَيانِ والتَّعَهُّدِ بِهِ بِالحَقِّ والواجِبِ عَلى المَحْقُوقِ بِهِ.
والقَصْدُ: اسْتِقامَةُ الطَّرِيقِ، وقَعَ هُنا وصْفًا لِلسَّبِيلِ مِن قَبِيلِ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ؛ لِأنَّهُ يُقالُ: طَرِيقٌ قاصِدٌ، أيْ مُسْتَقِيمٌ، وذَلِكَ أقْوى في الوَصْفِ بِالِاسْتِقامَةِ كَشَأْنِ الوَصْفِ بِالمَصادِرِ، وإضافَةُ (قَصْدُ) إلى (السَّبِيلِ) مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، وهي صِفَةٌ مُخَصِّصَةٌ؛ لِأنَّ التَّعْرِيفَ في السَّبِيلِ لِلْجِنْسِ، ويَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ مُضافٍ؛ لِأنَّ الَّذِي تَعَهَّدَ اللَّهُ بِهِ هو بَيانُ السَّبِيلِ لا ذاتُ السَّبِيلِ.
وضَمِيرُ (ومِنها) عائِدٌ إلى (السَّبِيلِ) عَلى اعْتِبارِ جَوازِ تَأْنِيثِهِ.
و(جائِرٌ) وصْفٌ لِـ (السَّبِيلِ) بِاعْتِبارِ اسْتِعْمالِهِ مُذَكَّرًا، أيْ مِن جِنْسِ السَّبِيلِ الَّذِي مِنهُ أيْضًا قَصْدُ سَبِيلٍ جائِرٍ غَيْرُ قَصْدٍ.
والجائِرُ: هو الحائِدُ عَنْ الِاسْتِقامَةِ، وكُنِّيَ بِهِ عَنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مُوصِّلٍ إلى المَقْصُودِ، أيْ إلى الخَيْرِ، وهو المُفْضِي إلى ضُرٍّ، فَهو جائِرٌ بِسالِكِهِ، ووَصْفُهُ
صفحة ١١٣
بِالجائِرِ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ العَقْلِيِّ، ولَمْ يُضَفِ السَّبِيلُ الجائِرُ إلى اللَّهِ؛ لِأنَّ سَبِيلَ الضَّلالِ اخْتَرَعَها أهْلُ الضَّلالَةِ اخْتِراعًا لا يَشْهَدُ لَهُ العَقْلُ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ النّاسَ عَلَيْهِ، وقَدْ نَهى اللَّهُ النّاسَ عَنْ سُلُوكِها.وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ تَذْيِيلٌ.