Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ وهم مُسْتَكْبِرُونَ﴾ ﴿لا جَرَمَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ﴾
اسْتِئْنافُ نَتِيجَةٍ لِحاصِلِ المُحاجَّةِ الماضِيَةِ، أيْ قَدْ ثَبَتَ بِما تَقَدَّمَ إبْطالُ إلَهِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ، فَثَبَتَ أنَّ لَكم إلَهًا واحِدًا لا شَرِيكَ لَهُ، ولِكَوْنِ ما مَضى كافِيًا في إبْطالِ إنْكارِهِمُ الوَحْدانِيَّةِ عَرِيَتِ الجُمْلَةُ عَنِ المُؤَكِّدِ تَنْزِيلًا لِحالِ المُشْرِكِينَ بَعْدَما سَمِعُوا مِنَ الأدِلَّةِ مَنزِلَةَ مَن لا يُظَنُّ بِهِ أنَّهُ يَتَرَدَّدُ في ذَلِكَ بِخِلافِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ إلَهَكم لَواحِدٌ﴾ [الصافات: ٤] في سُورَةِ الصّافّاتِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ ابْتِداءُ كَلامٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَلِيلٌ، كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣] في سُورَةِ البَقَرَةِ خِطابٌ لِأهْلِ الكِتابِ.
صفحة ١٢٨
وتَفَرَّعَ عَلَيْهِ الإخْبارُ بِجُمْلَةِ ﴿فالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ﴾وهُوَ تَفْرِيعُ الأخْبارِ عَنِ الأخْبارِ، أيْ يَتَفَرَّعُ عَلى هَذِهِ القَضِيَّةِ القاطِعَةِ بِما تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلائِلِ أنَّكم قُلُوبُكم مُنْكِرَةٌ، وأنْتُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وأنَّ ذَلِكَ ناشِئٌ عَنْ عَدَمِ إيمانِكم بِالآخِرَةِ.
والتَّعْبِيرُ عَنِ المُشْرِكِينَ بِالمَوْصُولِ وصِلَتِهِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ؛ لِأنَّهم قَدْ عُرِفُوا بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ واشْتُهِرُوا بِها اشْتِهارَ لَمْزٍ وتَنْقِيصٍ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ، كَقَوْلِهِ ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ أوْ نَرى رَبَّنا﴾ [الفرقان: ٢١]، ولِلْإيماءِ إلى أنَّ لِهَذِهِ الصِّلَةِ ارْتِباطًا بِاسْتِمْرارِهِمْ عَلى العِنادِ؛ لِأنَّ انْتِفاءَ إيمانِهِمْ بِالبَعْثِ والحِسابِ قَدْ جَرَّأهم عَلى نَبْذِ دَعْوَةِ الإسْلامِ ظِهْرِيًّا فَلَمْ يَتَوَقَّعُوا مُؤاخَذَةً عَلى نَبْذِها، عَلى تَقْدِيرِ أنَّها حَقٌّ فَيَنْظُرُوا في دَلائِلِ أحَقِّيَّتِها مَعَ أنَّهم يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولَكِنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِأنَّهُ أعَدَّ لِلنّاسِ يَوْمَ جَزاءٍ عَلى أعْمالِهِمْ.
ومَعْنى ﴿قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ﴾ جاحِدَةٌ بِما هو واقِعٌ، اسْتُعْمِلَ الإنْكارُ في جَحْدِ الأمْرِ الواقِعِ؛ لِأنَّهُ ضِدُّ الإقْرارِ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ (مُنْكِرَةٌ) لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ، أيْ مُنْكِرَةٌ لِلْوَحْدانِيَّةِ.
وعَبَّرَ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ﴿قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ﴾ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الإنْكارَ ثابِتٌ لَهم دائِمٌ لِاسْتِمْرارِهِمْ عَلى الإنْكارِ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ مِنَ الأدِلَّةِ، وذَلِكَ يُفِيدُ أنَّ الإنْكارَ صارَ لَهم سَجِيَّةً، وتَمَكَّنَ مِن نُفُوسِهِمْ؛ لِأنَّهم ضُرُّوا بِهِ مِن حَيْثُ إنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فاعْتادُوا عَدَمَ التَّبَصُّرِ في العَواقِبِ.
وكَذَلِكَ جُمْلَةُ ﴿وهم مُسْتَكْبِرُونَ﴾ بُنِيَتْ عَلى الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَمَكُّنِ الِاسْتِكْبارِ مِنهم، وقَدْ خُولِفَ ذَلِكَ في آيَةِ سُورَةِ الفُرْقانِ ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ وعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٢١]؛ لِأنَّ تِلْكَ الآيَةَ لَمْ تَتَقَدَّمْها دَلائِلُ عَلى الوَحْدانِيَّةِ مِثْلُ الدَّلائِلِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا جَرَمَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ المُتَعاطِفَتَيْنِ.
صفحة ١٢٩
والجَرَمُ - بِالتَّحْرِيكِ -: أصْلُهُ البُدُّ، وكَثُرَ في الِاسْتِعْمالِ حَتّى صارَ بِمَعْنى حَقًّا، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا جَرَمَ أنَّهم في الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ﴾ [هود: ٢٢] في سُورَةِ هُودٍ.وقَوْلُهُ ﴿أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾ في مَوْضِعِ جَرٍّ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِـ (جَرَمَ)، وخَبَرُ (لا) النّافِيَةِ مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، إذِ التَّقْدِيرُ: لا جَرَمَ مَوْجُودٌ، وحَذْفُ الخَبَرِ في مِثْلِهِ كَثِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: لا جَرَمَ في أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أوْ لا جَرَمَ مِن أنَّهُ يَعْلَمُ، أيْ لا بُدَّ أنَّهُ يَعْلَمُ، أيْ لا بُدَّ مِن عِلْمِهِ، أيْ لا شَكَّ في ذَلِكَ.
وجُمْلَةُ ﴿أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ كِنايَةً عَنِ الوَعِيدِ بِالمُؤاخَذَةِ بِما يُخْفُونَ وما يُظْهِرُونَ مِنَ الإنْكارِ والِاسْتِكْبارِ وغَيْرِهِما مُؤاخَذَةِ عِقابٍ وانْتِقامٍ، فَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِجُمْلَةِ ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ﴾ الواقِعَةِ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ والتَّذْيِيلِ لَها؛ لِأنَّ الَّذِي لا يُحِبُّ فِعْلًا - وهو قادِرٌ - يُجازِي فاعِلَهُ بِالسُّوءِ.
والتَّعْرِيفُ في المُسْتَكْبِرِينَ لِلِاسْتِغْراقِ؛ لِأنَّ شَأْنَ التَّذْيِيلِ العُمُومُ، ويَشْمَلُ هَؤُلاءِ المُتَحَدَّثُ عَنْهم فَيَكُونُ إثْباتُ العِقابِ لَهم كَإثْباتِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ.