Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يُخْزِيهِمْ ويَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونِ فِيهِمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [النحل: ٢٥]؛ لِأنَّ ذَلِكَ وعِيدٌ لَهم وهَذا تَكْمِلَةٌ لَهُ.
وضَمِيرُ الجَمْعِ في قَوْلِهِ تَعالى يُخْزِيهِمْ عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِاللّامِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا قِيلَ لَهم ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤]، وذَلِكَ عائِدٌ إلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ.
صفحة ١٣٦
و(ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتَبِيِّ، فَإنَّ خِزْيَ الآخِرَةِ أعْظَمُ مِنَ اسْتِئْصالِ نَعِيمِ الدُّنْيا.والخِزْيُ: الإهانَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَما جَزاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكم إلّا خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [البقرة: ٨٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاهْتِمامِ بِيَوْمِ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ يَوْمُ الأحْوالِ الأبَدِيَّةِ فَما فِيهِ مِنَ العَذابِ مُهَوِّلٌ لِلسّامِعِينَ.
و(أيْنَ) لِلِاسْتِفْهامِ عَنِ المَكانِ، وهو يَقْتَضِي العِلْمَ بِوُجُودِ مَن يَحُلُّ في المَكانِ، ولَمّا كانَ المَقامُ هُنا مَقامَ تَهَكُّمٍ كانَ الِاسْتِفْهامُ عَنِ المَكانِ مُسْتَعْمَلًا في التَّهَكُّمِ؛ لِيَظْهَرَ لَهم كالطَّماعِيَةِ لِلْبَحْثِ عَنْ آلِهَتِهِمْ، وهم عَلِمُوا أنْ لا وُجُودَ لَهم ولا مَكانَ لِحُلُولِهِمْ.
وإضافَةُ الشُّرَكاءِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ زِيادَةٌ في التَّوْبِيخِ؛ لِأنَّ مَظْهَرَ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى يَوْمَئِذٍ لِلْعَيانِ يُنافِي أنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ، فالمُخاطَبُونَ عالِمُونَ حِينَئِذٍ بِتَعَذُّرِ المُشارَكَةِ.
والمَوْصُولُ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى ضَلالِهِمْ وخَطَئِهِمْ في ادِّعاءِ المُشارَكَةِ مِثْلُ الَّذِي في قَوْلِ عَبْدَةَ:
إنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَـهُـمْ إخْـوانَـكُـمْ يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أنْ تُصْرَعُوا
والمُشاقَّةُ: المُشادَّةُ في الخُصُومَةِ، كَأنَّها خُصُومَةٌ لا سَبِيلَ مَعَها إلى الوِفاقِ، إذْ قَدْ صارَ كُلُّ خَصْمٍ في شِقٍّ غَيْرِ شَقِّ الآخَرِ.وقَرَأ نافِعٌ (تُشاقُّونِ) بِكَسْرِ النُّونِ عَلى حَذْفِ ياءِ المُتَكَلِّمِ، أيْ تُعانِدُونَنِي، وذَلِكَ بِإنْكارِهِمْ ما أمَرَهُمُ اللَّهُ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ ﷺ، وقَرَأ البَقِيَّةُ تُشاقُّونَ بِفَتْحِ النُّونِ وحَذْفِ المَفْعُولِ لِلْعِلْمِ، أيْ تُعانِدُونَ مَن يَدْعُوكم إلى التَّوْحِيدِ.
و(في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ مَعَ حَذْفِ مُضافٍ، إذِ المُشاقَّةُ لا تَكُونُ في الذَّواتِ بَلْ في المَعانِي، والتَّقْدِيرُ: في إلَهِيَّتِهِمْ أوْ في شَأْنِهِمْ.
* * *
صفحة ١٣٧
﴿قالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ إنَّ الخِزْيَ اليَوْمَ والسُّوءَ عَلى الكافِرِينَ﴾ جُمْلَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ حَكَتْ قَوْلَ أفاضِلِ الخَلائِقِ حِينَ يَسْمَعُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعالى عَلى لِسانِ مَلائِكَةِ العَذابِ: ﴿أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾ .وجِيءَ بِجُمْلَةِ ﴿قالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ؛ لِأنَّها واقِعَةٌ مَوْقِعَ الجَوابِ لِقَوْلِهِ أيْنَ شُرَكائِيَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ابْتَدَرُوا الجَوابَ - لَمّا وجَمَ المُشْرِكُونَ - فَلَمْ يُحِيرُوا جَوابًا، فَأجابَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ جَوابًا جامِعًا لِنَفْيِ أنْ يَكُونَ الشُّرَكاءُ المَزْعُومُونَ مُغْنِينَ عَنِ الَّذِينَ أشْرَكُوا شَيْئًا، وأنَّ الخِزْيَ والسُّوءَ أحاطا بِالكافِرِينَ.
والتَّعْبِيرُ بِالمُضِيِّ لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ القَوْلِ.
والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ هُمُ الَّذِينَ آتاهُمُ اللَّهُ عِلْمَ الحَقائِقِ مِنَ الرُّسُلِ والأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والمُؤْمِنُونَ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦]، أيْ يَقُولُونَ في ذَلِكَ المَوْقِفِ مِن جَرّاءِ ما يُشاهِدُوا مِن مُهَيَّأِ العَذابِ لِلْكافِرِينَ كَلامًا يَدُلُّ عَلى حَصْرِ الخِزْيِ والضُّرِّ يَوْمَ القِيامَةِ في الكَوْنِ عَلى الكافِرِينَ، وهو قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ المُعَرَّفُ بِلامِ الجِنْسِ عَلى حَدِّ النِّهايَةِ في جِنْسِهِ حَتّى كَأنَّ غَيْرَهُ مِن جِنْسِهِ لَيْسَ مِن ذَلِكَ الجِنْسِ.
وتَأْكِيدُ الجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ، وبِصِيغَةِ القَصْرِ والإتْيانِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ الدّالِّ عَلى تَمَكُّنِ الخِزْيِ والسُّوءِ مِنهم يُفِيدُ مَعْنى التَّعَجُّبِ مِن هَوْلِ ما أُعِدَّ لَهم.