Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلى وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
انْتِقالٌ لِحِكايَةِ مَقالَةٍ أُخْرى مِن شَنِيعِ مَقالاتِهِمْ في كُفْرِهِمْ، واسْتِدْلالٌ مِن أدِلَّةِ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ ﷺ فِيما يُخْبِرُ بِهِ إظْهارٌ لِدَعْوَتِهِ في مَظْهَرِ المُحالِ، وذَلِكَ إنْكارُهُمُ الحَياةَ الثّانِيَةَ والبَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ. وذَلِكَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ في هَذِهِ السُّورَةِ سِوى الِاسْتِطْرادِ بِقَوْلِهِ ﴿فالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [النحل: ٢٢] . والقَسَمُ عَلى نَفْيِ البَعْثِ أرادُوا بِهِ الدَّلالَةَ عَلى يَقِينِهِمْ بِانْتِفائِهِ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ في ﴿جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ [المائدة: ٥٣] في سُورَةِ العُقُودِ.
وإنَّما أيْقَنُوا بِذَلِكَ وأقْسَمُوا عَلَيْهِ؛ لِأنَّهم تَوَهَّمُوا أنَّ سَلامَةَ الأجْسامِ وعَدَمَ انْخِرامِها شَرْطٌ لِقَبُولِها الحَياةَ، وقَدْ رَأوْا أجْسادَ المَوْتى مُعَرَّضَةً لِلِاضْمِحْلالِ فَكَيْفَ تُعادُ كَما كانَتْ.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾ عَطْفُ بَيانٍ لِجُمْلَةِ (أقْسَمُوا) وهي ما أقْسَمُوا عَلَيْهِ.
والبَعْثُ تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] .
صفحة ١٥٤
والعُدُولُ عَنِ (المَوْتى) إلى (مَن يَمُوتُ) لِقَصْدِ إيذانِ الصِّلَةِ بِتَعْلِيلِ نَفْيِ البَعْثِ، فَإنَّ الصِّلَةَ أقْوى دَلالَةً عَلى التَّعْلِيلِ مِن دَلالَةِ المُشْتَقِّ عَلى عِلِّيَّةِ الِاشْتِقاقِ، فَهم جَعَلُوا الِاضْمِحْلالَ مُنافِيًا لِإعادَةِ الحَياةِ، كَما حُكِيَ عَنْهم ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أئِذا كُنّا تُرابًا وآباؤُنا أإنّا لَمُخْرَجُونَ﴾ [النمل: ٦٧] .و(بَلى) حَرْفٌ لِإبْطالِ النَّفْيِ في الخَبَرِ والِاسْتِفْهامِ، أيْ بَلْ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ، وانْتَصَبَ (وعْدًا) عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ مُؤَكِّدًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الإبْطالِ مِن حُصُولِ البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، ويُسَمّى هَذا النَّوْعُ مِنَ المَفْعُولِ المُطْلَقِ مُؤَكِّدًا لِنَفْسِهِ، أيْ مُؤَكِّدًا لِمَعْنى فِعْلٍ هو عَيْنُ مَعْنى المَفْعُولِ المُطْلَقِ.
و(عَلَيْهِ) صِفَةٌ لِـ (وعْدًا)، أيْ وعْدًا كالواجِبِ عَلَيْهِ في أنَّهُ لا يَقْبَلُ الخُلْفَ، فَفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ، شُبِّهَ الوَعْدُ الَّذِي وعَدَهُ اللَّهُ بِمَحْضِ إرادَتِهِ واخْتِيارِهِ بِالحَقِّ الواجِبِ عَلَيْهِ ورَمَزَ إلَيْهِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ.
و(حَقًّا) صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ (وعْدًا)، والحَقُّ هُنا بِمَعْنى الصِّدْقِ الَّذِي لا يُتَخَلَّفُ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ﴾ [التوبة: ١١١] في سُورَةِ بَراءَةٍ.
والمُرادُ بِأكْثَرِ النّاسِ (المُشْرِكُونَ)، وهم يَوْمَئِذٍ أكْثَرُ النّاسِ، ومَعْنى لا يَعْلَمُونَ أنَّهم لا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ فَيُقِيمُونَ مِن الِاسْتِبْعادِ دَلِيلَ اسْتِحالَةِ حُصُولِ البَعْثِ بَعْدَ الفَناءِ.
والِاسْتِدْراكُ ناشِئٌ عَنْ جَعْلِهِ وعْدًا عَلى اللَّهِ حَقًّا، إذْ يَتَوَهَّمُ السّامِعُ أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لا يَجْهَلُهُ أحَدٌ فَجاءَ الِاسْتِدْراكُ لِرَفْعِ هَذا التَّوَهُّمِ؛ ولِأنَّ جُمْلَةَ ﴿وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ تَقْتَضِي إمْكانَ وُقُوعِهِ، والنّاسُ يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ.