Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿تاللَّهِ لَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم فَهْوَ ولِيُّهُمُ اليَوْمَ ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ داخِلٌ في الكَلامِ الِاعْتِراضِيِّ قُصِدَ مِنهُ تَنْظِيرُ حالِ المُشْرِكِينَ المُتَحَدَّثِ عَنْهم وكُفْرِهِمْ في سُوءِ أعْمالِهِمْ وأحْكامِهِمْ بِحالِ الأُمَمِ الضّالَّةِ مِن قَبْلِهِمُ الَّذِينَ اسْتَهْواهُمُ الشَّيْطانُ مِنَ الأُمَمِ البائِدَةِ مِثْلُ عادٍ وثَمُودَ، والحاضِرَةِ كاليَهُودِ والنَّصارى.
صفحة ١٩٤
ووَجْهُ الخِطابِ إلى النَّبِيءِ ﷺ لِقَصْدِ إبْلاغِهِ إلى أسْماعِ النّاسِ، فَإنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ لِهَدْيِ النّاسِ، فَتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِالقَسَمِ مَنظُورٌ فِيهِ إلى المَقْصُودِينَ بِالخَبَرِ لا إلى المُوَجَّهِ إلَيْهِ الخَبَرُ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ لا يَشُكُّ في ذَلِكَ.ومَصَبُّ القَسَمِ هو التَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾ .
وأمّا الإرْسالُ إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِهِمْ فَلا يَشُكُّ فِيهِ المُشْرِكُونَ، وشَأْنُ التّاءِ المُثَنّاةِ أنْ تَقَعَ في قَسَمٍ عَلى مُسْتَغْرَبٍ مَصَبُّ القَسَمِ هُنا هو المُفْرَدُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾؛ لِأنَّ تَأْثِيرَ تَزْيِينِ الشَّيْطانِ لَهم أعْمالَهم بَعْدَما جاءَهم مِن إرْشادِ رُسُلِهِمْ أمْرٌ عَجِيبٌ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى حَرْفِ تاءِ القَسَمِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿تاللَّهِ لَتُسْألُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [النحل: ٥٦] .
وجُمْلَةُ ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ القَسَمِ، والتَّقْدِيرُ: أرْسَلْنا فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم.
وتَزْيِينُ الشَّيْطانِ أعْمالَهم كِنايَةٌ عَنِ المَعاصِي، فَمِن ذَلِكَ عَدَمُ الإيمانِ بِالرُّسُلِ وهو كَمالُ التَّنْظِيرِ، ومِنها الِابْتِداعاتُ المُنافِيَةُ لِما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - مِثْلُ ابْتِداعِ المُشْرِكِينَ البَحِيرَةَ والسّائِبَةَ، والمَقْصُودُ: أنَّ المُشْرِكِينَ سَلَكُوا مَسْلَكَ مَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ الَّتِي زَيَّنَّ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم.
وجُمْلَةُ ﴿فَهُوَ ولِيُّهُمُ اليَوْمَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةً عَلى جُمْلَةِ القَسَمِ بِتَمامِها، عَلى أنْ يَكُونَ التَّفْرِيعُ هو المَقْصُودُ مِن جُمْلَةِ الِاسْتِئْنافِ لِلتَّنْظِيرِ؛ فَيَكُونُ ضَمِيرُ (ولِيُّهُمُ) عائِدًا إلى المُنَظِّرِينَ بِقَرِينَةِ السِّياقِ. ولا مانِعَ مِنَ اخْتِلافٍ مُعادِي ضَمِيرَيْنِ مُتَقارِبَيْنِ مَعَ القَرِينَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وعَمَرُوها أكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها﴾ [الروم: ٩] .
والمَعْنى: فالشَّيْطانُ ولِيُّ المُشْرِكِينَ اليَوْمَ، أيْ مُتَوَلِّي أمْرَهم كَما كانَ ولِيَّ الأُمَمِ مِن قَبْلِهِمْ إذْ زَيَّنَ لَهم أعْمالَهم، أيْ لا ولِيَّ لَهُمُ اليَوْمَ غَيْرُهُ، رَدًّا
صفحة ١٩٥
عَلى زَعْمِهِمْ أنَّ لَهُمُ الحُسْنى، ويَكُونُ في الكَلامِ شِبْهُ الِاحْتِباكِ، والتَّقْدِيرُ: لَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم فَكانَ ولِيَّهم حِينَئِذٍ، وهو ولِيُّ المُشْرِكِينَ اليَوْمَ يُزَيِّنُ لَهم أعْمالَهم، كَما كانَ ولِيَّ مَن قَبْلَهم.وقَوْلُهُ (اليَوْمَ) مُسْتَعْمَلٌ في زَمانٍ مَعْهُودٍ بِعَهْدِ الحُضُورِ، أيْ فَهو ولِيُّهُمُ الآنَ، و(هو) كِنايَةٌ عَنِ اسْتِمْرارِ وِلايَتِهِ لَهم إلى زَمَنِ المُتَكَلِّمِ مُطْلَقًا بِدُونِ قَصْدٍ، لِما يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مِنَ الوَقْتِ الَّذِي مِن طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وهُوَ مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِلزَّمانِ الحاضِرِ، وأصْلُهُ: اليَوْمُ الحاضِرُ، وهو اليَوْمُ الَّذِي أنْتَ فِيهِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] في سُورَةِ العُقُودِ.
ولا يُسْتَعْمَلُ في يَوْمٍ مَضى مُعَرَّفًا بِاللّامِ إلّا بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ، نَحْوَ: ذَلِكَ اليَوْمُ، أوْ مِثْلُ يَوْمَئِذٍ.