﴿وإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهم ولا هم يُنْظَرُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النحل: ٨٤]) . و(إذا) شَرْطِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ.

وجُمْلَةُ (فَلا يُخَفَّفُ) جَوابُ (إذا) وقُرِنَ بِالفاءِ لِتَأْكِيدِ مَعْنى الشَّرْطِيَّةِ والجَوابِيَّةِ لِدَفْعِ احْتِمالِ الِاسْتِئْنافِ.

صفحة ٢٤٦

وصاحِبُ الكَشّافِ جَعَلَ (إذا) ظَرْفًا مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنى الشَّرْطِيَّةِ مَنصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لِقَصْدِ التَّهْوِيلِ يَقْتَضِي تَقْدِيرُهُ عَدَمَ وُجُودِ مُتَعَلَّقٍ لِلظَّرْفِ فَيُقَدَّرُ لَهُ مُتَعَلَّقٌ بِما يُناسِبُ، كَما قُدِّرَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ﴾ [النحل: ٨٤]، والتَّقْدِيرُ: إذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذابَ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ وبَغَتَهم، وعَلى هَذا فالفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَلا يُخَفَّفُ﴾ فَصِيحَةٌ، ولَيْسَتْ رابِطَةً لِلْجَوابِ.

و(الَّذِينَ ظَلَمُوا) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فالتَّعْبِيرُ بِهِ مِنَ الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ؛ لِقَصْدِ إجْراءِ الصِّفاتِ المُتَلَبِّسِينَ بِها عَلَيْهِمْ، والمَعْنى: فَلا يُؤْذَنُ لِلَّذِينِ كَفَرُوا ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ، ثُمَّ يُساقُونَ إلى العَذابِ فَإذا رَأوْهُ لا يُخَفَّفُ عَنْهم، أيْ يَسْألُونَ تَخْفِيفَهُ، أوْ تَأْخِيرَ الإقْحامِ فِيهِ فَلا يُسْتَجابُ لَهم شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، وأطْلَقَ العَذابَ عَلى آلاتِهِ ومَكانِهِ.

وجاءَ المُسْنَدُ إلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ؛ لِأنَّ الإخْبارَ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ عَنِ الِاسْمِ يُفِيدُ تَقَوِّي الحُكْمِ، فَأُرِيدَ تَقَوِّي حُكْمَ النَّفْيِ، أيْ أنَّ عَدَمَ تَخْفِيفِ العَذابِ عَنْهم مُحَقَّقُ الوُقُوعِ لا طَماعِيَةَ في إخْلافِهِ، فَحَصَلَ تَأْكِيدُ هَذِهِ الجُمْلَةِ كَما حَصَلَ تَأْكِيدُ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها بِالفاءِ، أيْ فَهم يُلْقَوْنَ بِسُرْعَةٍ في العَذابِ.