صفحة ٢٤٩

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾

لَمّا ذَكَرَ العَذابَ الَّذِينَ هم لاقُوهُ عَلى كُفْرِهِمُ اسْتَأْنَفَ هُنا بِذِكْرِ زِيادَةِ العَذابِ لَهم عَلى الزِّيادَةِ في كُفْرِهِمْ بِأنَّهم يَصُدُّونَ النّاسَ عَنِ اتِّباعِ الإسْلامِ، وهو المُرادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أيِ السَّبِيلِ المُوَصِّلَةِ إلى اللَّهِ، أيْ إلى الكَوْنِ في أوْلِيائِهِ وحِزْبِهِ، والمَقْصُودُ: تَنْبِيهُ المُسْلِمِينَ إلى كَيْدِهِمْ وإفْسادِهِمْ، والتَّعْرِيضُ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الوُقُوعِ في شِراكِهِمْ.

وزِيادَةُ العَذابِ: مُضاعَفَتُهُ.

والتَّعْرِيفُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَوْقَ العَذابِ﴾ تَعْرِيفُ الجِنْسِ المَعْهُودِ حَيْثُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذابَ﴾ [النحل: ٨٥]؛ لِأنَّ عَذابَ كُفْرِهِمْ لَمّا كانَ مَعْلُومًا بِكَثْرَةِ الحَدِيثِ عَنْهُ صارَ كالمَعْهُودِ، وأمّا عَذابُ صَدِّهِمُ النّاسَ فَلا يَخْطُرُ بِالبالِ؛ فَكانَ مَجْهُولًا فَناسَبَهُ التَّنْكِيرُ.

والباءُ في ﴿بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ، والمُرادُ: إفْسادُهُمُ الرّاغِبِينَ في الإسْلامِ بِتَسْوِيلِ البَقاءِ عَلى الكُفْرِ، كَما فَعَلُوا مَعَ الأعْشى حِينَ جاءَ مَكَّةَ راغِبًا في الإسْلامِ مادِحًا الرَّسُولَ ﷺ بِقَصِيدَةِ:

هَلِ اغْتَمَضَتْ عَيْناكِ لَيْلَةَ أرْمَدا

وقِصَّتُهُ في كُتُبِ السِّيرَةِ والأدَبِ، وكَما فَعَلُوا مَعَ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الدَّوْسِيِّ فَإنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَمَشى إلَيْهِ رِجالٌ مِن قُرَيْشٍ فَقالُوا: يا طُفَيْلُ إنَّكَ قَدِمْتَ بِلادَنا، وهَذا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أظْهُرِنا قَدْ أعْضَلَ بِنا، وقَدْ فَرَّقَ جَماعَتَنا، وشَتَّتَ أمْرَنا، وإنَّما قَوْلُهُ كالسِّحْرِ، وإنّا نَخْشى عَلَيْكَ، وعَلى قَوْمِكَ ما قَدْ دَخَلَ عَلَيْنا فَلا تُكَلِّمَنَّهُ ولا تَسْمَعْنَ مِنهُ، وقَدْ ذُكِرَ في قِصَّةِ إسْلامِ أبِي ذَرٍّ كَيْفَ تَعَرَّضُوا لَهُ بِالأذى في المَسْجِدِ الحَرامِ حِينَ عَلِمُوا إسْلامَهُ.