﴿فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا واشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى المَوْعِظَةِ وضَرْبِ المَثَلِ، وخُوطِبَ بِهِ فَرِيقٌ مِنَ المُسْلِمِينَ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ ﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ﴾ [النحل: ١١٥] إلى آخِرِهِ.

صفحة ٣٠٩

ولَعَلَّ هَذا مُوَجَّهٌ إلى أهْلِ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ إذْ أصْبَحُوا آمِنِينَ عِنْدَ مَلِكٍ عادِلٍ في بَلَدٍ يَجِدُونَ فِيهِ رِزْقًا حَلالًا، وهو ما يُضافُونَ بِهِ، وما يَكْسِبُونَهُ بِكَدِّهِمْ، أيْ إذا عَلِمْتُمْ حالَ القَرْيَةِ المُمَثَّلِ بِها أوِ المُعَرَّضِ بِها فاشْكُرُوا اللَّهَ الَّذِي نَجّاكم مِن مِثْلِ ما أصابَ القَرْيَةَ، فاشْكُرُوا اللَّهَ ولا تَكْفُرُوهُ كَما كَفَرَ بِنِعْمَتِهِ أهْلُ تِلْكَ القَرْيَةِ، فَقَوْلُهُ ﴿واشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ مُقابِلُ قَوْلِهِ في المَثَلِ ﴿فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللَّهِ﴾ [النحل: ١١٢] إنْ كُنْتُمْ لا تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، كَما هو مُقْتَضى الإيمانِ، وتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ لِلْبَعْثِ عَلى الِامْتِثالِ لِإظْهارِ صِدْقِ إيمانِهِمْ، وإظْهارِ اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ ﴿واشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ مَعَ أنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ الإضْمارُ لِزِيادَةِ التَّذْكِيرِ، ولِتَكُونَ جُمْلَةُ هَذا الأمْرِ مُسْتَقِلَّةً بِدَلالَتِها، بِحَيْثُ تَصِحُّ أنْ تَجْرِي مَجْرى المَثَلِ.

وقِيلَ: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ والمَعْنى واحِدٌ وهو قَوْلٌ بَعِيدٌ.

والأمْرُ في قَوْلِهِ فَكُلُوا لِلِامْتِنانِ، وإدْخالِ حَرْفِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ بِاعْتِبارِ أنَّ الأمْرَ بِالأكْلِ مُقَدِّمَةٌ لِلْأمْرِ بِالشُّكْرِ، وهو المَقْصُودُ بِالتَّفْرِيعِ، والمَقْصُودُ: فاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ، ولا تَكْفُرُوها فَيَحِلَّ بِكم ما حَلَّ بِأهْلِ القَرْيَةِ المَضْرُوبَةِ مَثَلًا.

والحَلالُ: المَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا، والطَّيِّبُ: ما يَطِيبُ لِلنّاسِ طَعْمُهُ ويَنْفَعُهم قُوتُهُ.