صفحة ٣٠٨

﴿ولَقَدْ جاءَهم رَسُولٌ مِنهم فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهُمُ العَذابُ وهم ظالِمُونَ﴾ لَمّا أخْبَرَ عَنْهم بِأنَّهم أُذِيقُوا لِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ، وكانَ إنَّما ذَكَرَ مِن صُنْعِهِمْ أنَّهم كَفَرُوا بِأنْعُمِ اللَّهِ، زِيدَ هُنا أنَّ ما كانُوا يَصْنَعُونَ عامٌّ لِكُلِّ عَمَلٍ لا يُرْضِي اللَّهَ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِكُفْرِهِمْ نِعْمَةَ اللَّهِ، وإنَّ مِن أشْنَعِ ما كانُوا يَصْنَعُونَ تَكْذِيبَهم رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ أنَّهُ مِنهم، وذَلِكَ أظْهَرُ في مَعْنى الإنْعامِ عَلَيْهِمْ، والرِّفْقِ بِهِمْ، وما مِن قَرْيَةٍ أُهْلِكَتْ إلّا وقَدْ جاءَها رَسُولٌ مِن أهْلِها ﴿وما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى حَتّى يَبْعَثَ في أُمِّها رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ [القصص: ٥٩] .

والأخْذُ: الإهْلاكُ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأخَذْناهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] في سُورَةِ الأعْرافِ.

وتَأْكِيدُ الجُمْلَةِ بِلامِ القَسَمِ وحَرْفِ التَّحْقِيقِ؛ لِلِاهْتِمامِ بِهَذا الخَبَرِ تَنْبِيهًا لِلسّامِعِينَ المُعَرَّضِ بِهِمْ؛ لِأنَّهُ مَحَلُّ الإنْذارِ.

وتَعْرِيفُ العَذابِ لِلْجِنْسِ، أيْ فَأخَذَهم عَذابٌ كَقَوْلِهِ ﴿وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: ٩٤] ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ فَأخَذْناهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] .