﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنُ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

هَذِهِ الجُمْلَةُ بَيانٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [النحل: ١١٤]؛ لِتَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الخَبِيثِ، فَإنَّ المَذْكُوراتِ في المُحَرَّماتِ هي خَبائِثُ خُبْثًا

صفحة ٣١٠

فِطْرِيًّا؛ لِأنَّ بَعْضَها مُفْسِدٌ لِتَوَلُّدِ الغِذاءِ؛ لِما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ المَضَرَّةِ، وتِلْكَ هي المَيْتَةُ، والدَّمُ، ولَحْمُ الخِنْزِيرِ. وبَعْضُها مُنافٍ لِلْفِطْرَةِ، وهو ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ مُنافٍ لِشُكْرِ المُنْعِمِ بِها، فاللَّهُ خَلَقَ الأنْعامَ، والمُشْرِكُونَ يَذْكُرُونَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْها.

ولِإفادَةِ بَيانِ الحَلالِ الطَّيِّبِ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ جِيءَ فِيها بِأداةِ الحَصْرِ، أيْ ما حَرَّمَ عَلَيْكم إلّا الأرْبَعَ المَذْكُوراتِ، فَبَقِيَ ما عَداها طَيِّبًا.

وهَذا بِالنَّظَرِ إلى الطِّيبِ والخُبْثِ بِالذّاتِ، وقَدْ يَعْرِضُ الخُبْثُ لِبَعْضِ المَطْعُوماتِ عَرْضًا.

ومُناسَبَةُ هَذا التَّحْدِيدِ في المُحَرَّماتِ أنَّ بَعْضَ المُسْلِمِينَ كانُوا بِأرْضِ غُرْبَةٍ، وقَدْ يُؤْكَلُ فِيها لَحْمُ الخِنْزِيرِ، وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وكانَ بَعْضُهم بِبَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ الدَّمُ وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وقَدْ مَضى تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، والأنْعامِ.