Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأمْدَدْناكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكم أكْثَرَ نَفِيرًا﴾ ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكم وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها﴾ [الإسراء: ٧] عَطَفَ جُمْلَةَ (فَجاسُوا) فَهو مِن تَمامِ جَوابِ (إذا) مِن قَوْلِهِ فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما، ومِن بَقِيَّةِ المَقْضِيِّ في الكِتابِ، وهو ماضٍ لَفْظًا مُسْتَقْبَلٌ
صفحة ٣٢
مَعْنًى، لِأنَّ (إذا) ظَرْفٌ لِما يُسْتَقْبَلُ، وجِيءَ بِهِ في صِيغَةِ الماضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ ذَلِكَ، والمَعْنى: نَبْعَثُ عَلَيْكم عِبادًا لَنا فَيَجُوسُونَ، ونَرُدُّ لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ، ونُمْدِدُكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ ونَجْعَلُكم أكْثَرَ نَفِيرًا.و(ثُمَّ) تُفِيدُ التَّراخِيَ الرُّتْبِيَّ، والتَّراخِيَ الزَّمَنِيَّ مَعًا.
والرَّدُّ: الإرْجاعُ، وجِيءَ بِفِعْلِ رَدَدْنا ماضِيًا جارِيًا عَلى الغالِبِ في جَوابِ (إذا) كَما جاءَ شَرْطُها فِعْلًا ماضِيًا في قَوْلِهِ فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا أيْ إذا يَجِيءُ يَبْعَثُ. والكَرَّةُ: الرَّجْعَةُ إلى المَكانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنهُ.
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هو حالٌ مِنَ الكَرَّةِ؛ لِأنَّ رُجُوعَ بَنِي إسْرائِيلَ إلى أُورْشَلِيمَ كانَ بِتَغَلُّبِ مَلِكِ فارِسَ عَلى مَلِكِ بابِلَ.
وذَلِكَ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ أنْ قَضَوْا نَيِّفًا وأرْبَعِينَ سَنَةً في أسْرِ البابِلِيِّينَ، وتابُوا إلى اللَّهِ، ونَدِمُوا عَلى ما فَرَطَ مِنهم سَلَّطَ اللَّهُ مُلُوكَ فارِسَ عَلى مُلُوكِ بابِلَ الأشُورِيِّينَ، فَإنَّ المَلِكَ (كُورَشَ) مَلِكَ فارِسَ حارَبَ البابِلِيِّينَ، وهَزَمَهم فَضَعُفَ سُلْطانُهم، ثُمَّ نَزَلَ بِهِمْ (دارِيُوسُ) مَلِكُ فارِسَ، وفَتَحَ بابِلَ سَنَةَ ٥٣٨ قَبْلَ المَسِيحِ، وأذِنَ لِلْيَهُودِ في سَنَةِ ٥٣٠ قَبْلَ المَسِيحِ أنْ يَرْجِعُوا إلى أُورْشَلِيمَ ويُجَدِّدُوا دَوْلَتَهم، وذَلِكَ نَصْرٌ انْتَصَرُوهُ عَلى البابِلِيِّينَ إذْ كانُوا أعْوانًا لِلْفُرْسِ عَلَيْهِمْ.
والوَعْدُ بِهَذا النَّصْرِ ورَدَ أيْضًا في كِتابِ أشْعِيا في الإصْحاحاتِ: العاشِرِ، والحادِي عَشَرَ، والثّانِي عَشَرَ، وغَيْرِها، وفي كِتابِ أرْمِيا في الإصْحاحِ الثّامِنِ والعِشْرِينَ والإصْحاحِ التّاسِعِ والعِشْرِينَ.
وقَوْلُهُ ﴿وأمْدَدْناكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكم أكْثَرَ نَفِيرًا﴾ هو مِن جُمْلَةِ المَقْضِيِّ المَوْعُودِ بِهِ، ووَقَعَ في الإصْحاحِ التّاسِعِ والعِشْرِينَ مِن كِتابِ
صفحة ٣٣
أرْمِيا (هَكَذا قالَ الرَّبُّ إلَهُ إسْرائِيلَ لِكُلِّ الَّذِي سَبَيْتُهُ مِن أُورْشَلِيمَ إلى بابِلَ: ابْنُوا بُيُوتًا واسْكُنُوا، واغْرِسُوا جَنّاتٍ، وكُلُوا ثَمَرَها، خُذُوا نِساءً ولِدُوا بَنِينَ وبَناتٍ، واكْثُرُوا هُناكَ ولا تَقِلُّوا) .و(نَفِيرًا) تَمْيِيزٌ لِـ (أكْثَرَ) فَهو تَبْيِينٌ لِجِهَةِ الأكْثَرِيَّةِ، والنَّفِيرُ: اسْمُ جَمْعٍ لِلْجَماعَةِ الَّتِي تَنْفِرُ مَعَ المَرْءِ مِن قَوْمِهِ وعَشِيرَتِهِ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي جَهْلٍ: لا في العِيرِ، ولا في النَّفِيرِ.
والتَّفْضِيلُ في (أكْثَرَ) تَفْضِيلٌ عَلى أنْفُسِهِمْ، أيْ جَعَلْناكم أكْثَرَ مِمّا كُنْتُمْ قَبْلَ الجَلاءِ، وهو المُناسِبُ لِمَقامِ الِامْتِنانِ، وقالَ جَمْعٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: أكْثَرَ نَفِيرًا مِن أعْدائِكُمُ الَّذِينَ أخْرَجُوكم مِن دِيارِكم، أيْ أفْنى مُعْظَمَ البابِلِيِّينَ في الحُرُوبِ مَعَ الفُرْسِ حَتّى صارَ عَدَدُ بَنِي إسْرائِيلَ في بِلادِ الأسْرِ أكْثَرَ مِن عَدَدِ البابِلِيِّينَ.
وقَوْلُهُ إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنَتْكم لِأنْفُسِكم وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها مِن جُمْلَةِ المَقْضِيِّ في الكِتابِ مِمّا خُوطِبَ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ، وهو حِكايَةٌ لِما في الإصْحاحِ التّاسِعِ والعِشْرِينَ مِن كِتابِ أرْمِيا (وصَلُّوا لِأجْلِها إلى الرَّبِّ؛ لِأنَّهُ بِسَلامِها يَكُونُ لَكم سَلامٌ)، وفي الإصْحاحِ الحادِي والثَلاثِينَ (يَقُولُ الرَّبُّ أزْرَعُ بَيْتَ إسْرائِيلَ وبَيْتَ يَهُوذا ويَكُونُ كَما سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلِاقْتِلاعِ والهَدْمِ والقَرْضِ والإهْلاكِ، كَذَلِكَ أسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِناءِ والغَرْسِ في تِلْكَ الأيّامِ لا يَقُولُونَ: الآباءُ أكَلُوا حِصْرِمًا وأسْنانُ الأبْناءِ ضَرَسَتْ بَلْ كُلُّ واحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ كُلُّ إنْسانٍ يَأْكُلُ الحِصْرِمَ تَضْرَسُ أسْنانُهُ) .
ومَعْنى (﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]) أنَّنا نَرُدُّ لَكُمُ الكَرَّةَ لِأجْلِ التَّوْبَةِ، وتَجَدُّدِ الجِيلِ، وقَدْ أصْبَحْتُمْ في حالَةِ نِعْمَةٍ، فَإنْ أحْسَنْتُمْ كانَ جَزاؤُكم حَسَنًا، وإنْ أسَأْتُمْ لِأنْفُسِكم، فَكَما أهْلَكْنا مَن قَبْلَكم بِذُنُوبِهِمْ فَقَدْ أحْسَنّا إلَيْكم بِتَوْبَتِكم، فاحْذَرُوا الإساءَةَ؛ كَيْلا تَصِيرُوا إلى مَصِيرِ مَن قَبْلَكم.
صفحة ٣٤
وإعادَةُ فِعْلِ أحْسَنْتُمْ تَنْوِيهٌ فَلَمْ يَقُلْ: إنْ أحْسَنْتُمْ فَلِأنْفُسِكم، وذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الأحْوَصِ:فَإذا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ تُخْشى بَوادِرُهُ عَلى الأقْرانِ
قالَ أبُو الفَتْحِ ابْنُ جِنِّيٍّ في شَرْحِ بَيْتِ الأحْوَصِ في الحَماسَةِ: إنَّما جازَ أنْ يَقُولَ فَإذا تَزُولُ تَزُولُ لِما اتَّصَلَ بِالفِعْلِ الثّانِي مِن حَرْفِ الجَرِّ المُفادَةِ مِنهُ الفائِدَةُ، ومِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: (﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهم كَما غَوَيْنا﴾ [القصص: ٦٣])، ولَوْ قالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهم لَمْ يُفِدِ القَوْلُ شَيْئًا كَقَوْلِكَ: الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ، وقَدْ كانَ أبُو عَلِيٍّ امْتَنَعَ في هَذِهِ الآيَةِ مِمّا أخَذْناهُ (في الأصْلِ أجَزْناهُ) غَيْرَ أنَّ الأمْرَ فِيها عِنْدِي عَلى ما عَرَّفْتُكَ اهـ.والظّاهِرُ أنَّ امْتِناعَ أبِي عَلِيٍّ مِن ذَلِكَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ يَرى جَوازَ أنْ تَكُونَ أغْوَيْناهم تَأْكِيدًا لِـ (أغْوَيْنا) . وقَوْلُهُ ﴿كَما غَوَيْنا﴾ [القصص: ٦٣] اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ اسْمَ المَوْصُولِ مُسْنَدٌ إلى مُبْتَدَأٍ، وهو اسْمُ الإشارَةِ فَتَمَّ الكَلامُ بِذَلِكَ، بِخِلافِ بَيْتِ الأحْوَصِ ومِثالُ ابْنِ جِنِّيٍّ: الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ، فَيَرْجِعُ امْتِناعُ أبِي عَلِيٍّ إلى أنَّ ما أخَذَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ في الآيَةِ تَعَيُّنَهُ في بَيْتِ الأحْوَصِ.
وأُسْلُوبُ إعادَةِ الفِعْلِ عِنْدَ إرادَةِ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِهِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ يُقْصَدُ بِهِ الِاهْتِمامُ بِذَلِكَ الفِعْلِ، وقَدْ تَكَرَّرَ في القُرْآنِ، قالَ تَعالى: (﴿وإذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٠]) وقالَ: (﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢]) .
وقَوْلُهُ: (﴿أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]) جاءَ عَلى طَرِيقَةِ التَّجْرِيدِ بِأنْ جُعِلَتْ نَفْسُ المُحْسِنِ كَذاتٍ يُحْسَنُ لَها، فاللّامُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ (أحْسَنْتُمْ)، يُقالُ: أحْسَنْتُ لِفُلانٍ.
وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها، فَقَوْلُهُ فَلَها مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ فاءِ الجَوابِ، تَقْدِيرُهُ: أسَأْتُمْ لَها، ولَيْسَ المَجْرُورُ بِظَرْفٍ مُسْتَقِرٍّ خَبَرًا عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ أسَأْتُمْ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَقالَ: فَعَلَيْها، كَقَوْلِهِ في سُورَةِ فُصِّلَتْ: (﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها﴾ [فصلت: ٤٦]) .
صفحة ٣٥
ووَجْهُ المُخالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الآيَتَيْنِ أنَّ آيَةَ فُصِّلَتْ لَيْسَ فِيها تَجْرِيدٌ؛ إذِ التَّقْدِيرُ فِيها: فَعَمَلُهُ لِنَفْسِهِ، وإساءَتُهُ عَلَيْها، فَلَمّا كانَ المُقَدَّرُ اسْمًا كانَ المَجْرُورُ بَعْدَهُ مُسْتَقِرًّا غَيْرَ حَرْفِ تَعْدِيَةٍ، فَجَرى عَلى ما يَقْتَضِيهِ الإخْبارُ مِن كَوْنِ الشَّيْءِ المُخْبَرِ عَنْهُ نافِعًا فَيُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِاللّامِ، أوْ ضارًّا يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِـ (إلى)، وأمّا آيَةُ الإسْراءِ فَفِعْلُ أحْسَنْتُمْ وأسَأْتُمُ الواقِعانِ في الجَوابَيْنِ مُقْتَضِيانِ التَّجْرِيدَ فَجاءا عَلى أصْلِ تَعْدِيَتِهِما بِاللّامِ لا لِقَصْدِ نَفْعٍ، ولا ضُرٍّ.