Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٨٧
﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهم وإيّاكم إنَّ قَتْلَهم كانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ عَطَفَ جُمْلَةَ حُكْمٍ عَلى جُمْلَةِ حُكْمٍ لِلنَّهْيِ عَنْ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنِ اليَأْسِ مِن رِزْقِ اللَّهِ، وهَذِهِ الوَصِيَّةُ السّابِعَةُ مِنَ الأحْكامِ المَذْكُورَةِ في آيَةِ ﴿وقَضى رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] الآيَةَ، وغَيَّرَ أُسْلُوبَ الإضْمارِ مِنَ الإفْرادِ إلى الجَمْعِ؛ لِأنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ هُنا مِن أحْوالِ الجاهِلِيَّةِ زَجْرٌ لَهم عَنْ هَذِهِ الخَطِيئَةِ الذَّمِيمَةِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ الأنْعامِ، ولَكِنَّ بَيْنَ الآيَتَيْنِ فَرْقًا في النَّظْمِ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهُ قِيلَ هُنا ﴿خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ وقِيلَ في آيَةِ الأنْعامِ ﴿مِن إمْلاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١]، ويَقْتَضِي ذَلِكَ أنَّ الَّذِينَ كانُوا يَئِدُونَ بَناتِهِمْ يَئِدُونَهُنَّ لِغَرَضَيْنِ: إمّا لِأنَّهم فُقَراءُ لا يَسْتَطِيعُونَ إنْفاقَ البِنْتِ، ولا يَرْجُونَ مِنها إنْ كَبِرَتْ إعانَةً عَلى الكَسْبِ فَهم يَئِدُونَها لِذَلِكَ، فَذَلِكَ مَوْرِدُ قَوْلِهِ في الأنْعامِ ﴿مِن إمْلاقٍ﴾ [الأنعام: ١٥١]، فَإنَّ (مِن) التَّعْلِيلِيَّةَ تَقْتَضِي أنَّ الإمْلاقَ سَبَبُ قَتْلِهِنَّ فَيَقْتَضِي أنَّ الإمْلاقَ مَوْجُودٌ حِينَ القَتْلِ.وإمّا أنْ يَكُونَ الحامِلُ عَلى ذَلِكَ لَيْسَ فَقْرَ الأبِ، ولَكِنْ خَشْيَةَ عُرُوضِ الفَقْرِ لَهُ أوْ عُرُوضِ الفَقْرِ لِلْبِنْتِ بِمَوْتِ أبِيها، إذْ كانُوا في جاهِلِيَّتِهِمْ لا يُوَرِّثُونَ البَناتِ، فَيَكُونُ الدّافِعُ لِلْوَأْدِ هو تَوَقُّعَ الإمْلاقِ، كَما قالَ إسْحاقُ بْنُ خَلَفٍ، شاعِرٌ إسْلامِيٌّ قَدِيمٌ:
إذا تَذَكَّرْتُ بِنْتِي حِين تَنْدُبُنِي فاضَتْ لِعَبْرَةِ بِنْتِي عَبْرَتِي بِدَمِ
أُحاذِرُ الفَقْرَ يَوْمًا أنْ يُلِمَّ بِها ∗∗∗ فَيُهْتَكُ السِّتْرُ عَنْ لَحْمٍ عَلى وضَمِ
تَهْوى حَياتِي وأهْوى مَوْتَها شَفَقًا ∗∗∗ والمَوْتُ أكْرَمُ نَزّالٍ عَلى الحُرَمِ
أخْشى فَظاظَةَ عَمٍّ أوْ جَفاءَ أخٍ ∗∗∗ وكُنْتُ أخْشى عَلَيْها مِن أذى الكَلِمِ
صفحة ٨٨
فَلِتَحْذِيرِ المُسْلِمِينَ مِن آثارِ هَذِهِ الخَواطِرِ ذُكِّرُوا بِتَحْرِيمِ الوَأْدِ وما في مَعْناهُ، وقَدْ كانَ ذَلِكَ في جُمْلَةِ ما تُؤْخَذُ عَلَيْهِ بَيْعَةُ النِّساءِ المُؤْمِناتِ كَما في آيَةِ سُورَةِ المُمْتَحِنَةِ، ومِن فِقْراتِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ: (دَفْنُ البَناتِ مِنَ المَكْرُماتِ) وكِلْتا الحالَتَيْنِ مِن أسْبابِ قَتْلِ الأوْلادِ تَسْتَلْزِمُ الأُخْرى وإنَّما التَّوْجِيهُ لِلْمَنظُورِ إلَيْهِ بادِئَ ذِي بَدْءٍ.الوَجْهُ الثّانِي: فَمِن أجْلِ هَذا الِاعْتِبارِ في الفَرْقِ لِلْوَجْهِ الأوَّلِ قِيلَ هُنالِكَ ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] بِتَقْدِيمِ ضَمِيرِ الآباءِ عَلى ضَمِيرِ الأوْلادِ؛ لِأنَّ الإمْلاقَ الدّافِعَ لِلْوَأْدِ المَحْكِيِّ بِهِ في آيَةِ الأنْعامِ هو إمْلاقُ الآباءِ فَقَدَّمَ الإخْبارَ بِأنَّ اللَّهَ هو رازِقُهم، وكَمَّلَ بِأنَّهُ رازِقُ بَناتِهِمْ.
وأمّا الإمْلاقُ المَحْكِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ فَهو الإمْلاقُ المَخْشِيُّ وُقُوعُهُ، والأكْثَرُ أنَّهُ تَوَقَّعَ إمْلاقَ البَناتِ كَما رَأيْتَ في الأبْياتِ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الإعْلامَ بِأنَّ اللَّهَ رازِقُ الأبْناءِ، وكَمَّلَ بِأنَّهُ رازِقُ آبائِهِمْ، وهَذا مِن نُكَتِ القُرْآنِ.
والإمْلاقُ: الِافْتِقارُ، وتَقَدَّمُ الكَلامُ عَلى الوَأْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] في سُورَةِ الأنْعامِ.
وجُمْلَةُ ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ المُتَعاطِفاتِ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّ قَتْلَهم كانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ، وتَحْذِيرٌ مِنَ الوُقُوعِ في المَنهِيِّ، وفِعْلُ كانَ تَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَةِ.
والمُرادُ بِالأوْلادِ خُصُوصُ البَناتِ؛ لِأنَّهُنَّ اللّاتِي كانُوا يَقْتُلُونَهُنَّ وأْدًا، ولَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُنَّ بِلَفْظِ الأوْلادِ في هَذِهِ الآيَةِ، ونَظائِرِها؛ لِأنَّ البِنْتَ يُقالُ لَها: ولَدٌ، وجَرى الضَّمِيرُ عَلى اعْتِبارِ اللَّفْظِ في قَوْلِهِ ﴿نَرْزُقُهُمْ﴾ .
والخِطْأُ بِكَسْرِ الخاءِ وسُكُونِ الطّاءِ مَصْدَرُ خَطِئَ بِوَزْنِ فَرِحَ، إذا أصابَ إثْمًا، ولا يَكُونُ الإثْمُ إلّا عَنْ عَمْدٍ، قالَ تَعالى ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨] وقالَ ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] .
صفحة ٨٩
وأمّا الخَطَأ بِفَتْحِ الخاءِ والطّاءِ فَهو ضِدُّ العَمْدِ، وفِعْلُهُ: أخْطَأ واسْمُ الفاعِلِ مُخْطِئٌ، قالَ تَعالى ﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] . وهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هي سِرُّ العَرَبِيَّةِ، وعَلَيْها المُحَقِّقُونَ مِن أئِمَّتِها.وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿خِطْئًا﴾ بِكَسْرِ الخاءِ وسُكُونِ الطّاءِ بَعْدَها هَمْزَةٌ، أيْ إثْمًا، وقَرَأهُ ابْنُ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ (خَطَأً) بِفَتْحِ الخاءِ وفَتْحِ الطّاءِ، والخَطَأُ ضِدُّ الصَّوابِ، أيْ أنَّ قَتْلَهم مَحْضُ خَطَأٍ لَيْسَ فِيهِ ما يُعْذَرُ عَلَيْهِ فاعِلُهُ.
وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ (خِطاءً) بِكَسْرِ الخاءِ، وفَتْحِ الطّاءِ، وألِفٍ بَعْدَ الطّاءِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودًا، وهو فِعالٌ مَن خَطِئَ إذا أجْرَمَ، وهو لُغَةٌ في خَطَأ، وكَأنَّ الفِعالَ فِيها لِلْمُبالَغَةِ، وأُكِّدَ بِ (إنَّ) لِتَحْقِيقِهِ رَدًّا عَلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ إذْ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ وأْدَ البَناتِ مِنَ السَّدادِ، ويَقُولُونَ: دَفْنُ البَناتِ مِنَ المَكْرُماتِ، وأُكِّدَ أيْضًا بِفِعْلِ (كانَ) لِإشْعارِ (كانَ) بِأنَّ كَوْنَهُ إثْمًا أمْرًا اسْتَقَرَّ.