Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٥٦
﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفى بِرَبِّكَ وكِيلًا﴾وجُمْلَةُ ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ مِن تَمامِ الكَلامِ المَحْكِيِّ بِ ﴿قالَ اذْهَبْ﴾ [الإسراء: ٦٣]، وهي جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَنْ قَوْلِهِ ﴿فَمَن تَبِعَكَ مِنهُمْ﴾ [الإسراء: ٦٣] وقَوْلُهُ ﴿واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنهُمْ﴾ [الإسراء: ٦٤]، فَإنَّ مَفْهُومَ مَن تَبِعَكَ و﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ﴾ [الإسراء: ٦٤] مِن قَبِيلِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ فَيُفِيدُ أنَّ فَرِيقًا مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ لا يَتَّبِعُ إبْلِيسَ فَلا يَحْتَنِكُهُ، وهَذا المَفْهُومُ يُفِيدُ أنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَ أوْ حَفِظَ هَذا الفَرِيقَ مِنَ الشَّيْطانِ، وذَلِكَ يُثِيرُ سُؤالًا في خاطِرِ إبْلِيسَ لِيَعْلَمَ الحائِلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ذَلِكَ الفَرِيقِ بَعْدَ أنْ عَلِمَ في نَفْسِهِ عِلْمًا إجْمالِيًّا أنَّ فَرِيقًا لا يَحْتَنِكُهُ لِقَوْلِهِ ﴿لَأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢]، فَوَقَعَتِ الإشارَةُ إلى تَعْيِينِ هَذا الفَرِيقِ بِالوَصْفِ وبِالسَّبَبِ.
فَأمّا الوَصْفُ فَفي قَوْلِهِ (عِبادِي) المُفِيدِ أنَّهم تَمَحَّضُوا لِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعالى كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ الإضافَةُ، فَعَلِمَ أنَّ مَن عَبَدُوا الأصْنامَ والجِنَّ وأعْرَضُوا عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعالى، لَيْسُوا مِن أُولَئِكَ.
وأمّا السَّبَبُ فَفي قَوْلِهِ ﴿وكَفى بِرَبِّكَ وكِيلًا﴾ المُفِيدِ أنَّهم تَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ، واسْتَعاذُوا بِهِ مِنَ الشَّيْطانِ، فَكانَ خَيْرَ وكِيلٍ لَهم إذْ حاطَهم مِنَ الشَّيْطانِ، وحَفِظَهم مِنهُ.
وفِي هَذا التَّوَكُّلِ مَراتِبُ مِنَ الِانْقِلابِ عَنِ احْتِناكِ الشَّيْطانِ، وهي مَراتِبُ المُؤْمِنِينَ مِنَ الأخْذِ بِطاعَةِ اللَّهِ كَما هو الحَقُّ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ.
فالسُّلْطانُ المَنفِيُّ في قَوْلِهِ ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ هو الحُكْمُ المُسْتَمِرُّ بِحَيْثُ يَكُونُونَ رَعِيَّتَهُ ومِن جُنْدِهِ، وأمّا غَيْرُهم فَقَدْ يَسْتَهْوِيهِمُ الشَّيْطانُ، ولَكِنَّهم لا يَلْبَثُونَ أنْ يَثُوبُوا إلى الصّالِحاتِ، وكَفاكَ مِن ذَلِكَ دَوامُ تَوْحِيدِهِمْ لِلَّهِ، وتَصْدِيقُهم
صفحة ١٥٧
رَسُولَهُ، واعْتِبارُهم أنْفُسَهم عِبادًا لِلَّهِ مُتَطَلِّبِينَ شُكْرَ نِعْمَتِهِ، فَشَتّانَ بَيْنَهم وبَيْنَ أهْلِ الشِّرْكِ، وإنْ سَخُفَتْ في شَأْنِهِمْ عَقِيدَةُ أهْلِ الِاعْتِزالِ، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنى هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إنَّما سُلْطانُهُ عَلى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والَّذِينَ هم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٩٩] في سُورَةِ النَّحْلِ.فالمُؤْمِنُ لا يَتَوَلّى الشَّيْطانَ أبَدًا، ولَكِنَّهُ قَدْ يَنْخَدِعُ لِوَسْواسِهِ، وهو مَعَ ذَلِكَ يَلْعَنُهُ فِيما أوْقَعَهُ فِيهِ مِنَ الكَبائِرِ، وبِمِقْدارِ ذَلِكَ الِانْخِداعِ يَقْتَرِبُ مِن سُلْطانِهِ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ في خُطْبَةِ حَجَّةِ الوَداعِ: «إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ في بَلَدِكم هَذا، ولَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِما دُونَ ذَلِكَ مِمّا تُحَقِّرُونَ مِن أعْمالِكم» .
فَجُمْلَةُ ﴿وكَفى بِرَبِّكَ وكِيلًا﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ تَكْمِلَةً لِتَوْبِيخِ الشَّيْطانِ، فَيَكُونُ (كافُ الخِطابِ) ضَمِيرَ الشَّيْطانِ تَسْجِيلًا عَلَيْهِ بِأنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً في آخِرِ الكَلامِ فَتَكُونُ كافُ الخِطابِ ضَمِيرَ النَّبِيءِ ﷺ تَقْرِيبًا لِلنَّبِيءِ بِالإضافَةِ إلى ضَمِيرِ اللَّهِ، ومَآلُ المَعْنى عَلى الوَجْهَيْنِ واحِدٌ وإنِ اخْتَلَفَ الِاعْتِبارُ.