Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ومَن يَهْدِ اللَّهُ فَهْوَ المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهم أوْلِياءَ مِن دُونِهِ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى﴾ [الإسراء: ٩٤] جَمْعًا بَيْنَ المانِعِ الظّاهِرِ المُعْتادِ مِنَ الهُدى، وبَيْنَ المانِعِ الحَقِيقِيِّ، وهو حِرْمانُ التَّوْفِيقِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَمَن أصَرَّ عَلى الكُفْرِ مَعَ وُضُوحِ الدَّلِيلِ
صفحة ٢١٥
لِذَوِي العُقُولِ، فَذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يُوَفِّقْهُ، وأسْبابُ الحِرْمانِ غَضَبُ اللَّهِ عَلى مَن لا يُلْقِي عَقْلَهُ لِتَلَقِّي الحَقِّ، ويَتَّخِذُ هَواهُ رائِدًا لَهُ في مَواقِفِ الجِدِّ.ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ [الإسراء: ٩٦] ارْتِقاءً في التَّسْلِيَةِ، أيْ لا يَحْزُنْكَ عَدَمُ اهْتِدائِهِمْ، فَإنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ الِاهْتِداءَ لَمّا أخَذُوا بِالعِنادِ قَبْلَ التَّدَبُّرِ في حَقِيقَةِ الرِّسالَةِ.
والمُرادُ بِالهُدى: الهُدى إلى الإيمانِ بِما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ .
والتَّعْرِيفُ في المُهْتَدِي تَعْرِيفُ العَهْدِ الذِّهْنِيِّ، فالمُعَرَّفُ مُساوٍ لِلنَّكِرَةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَهو مُهْتَدٍ، وفائِدَةُ الإخْبارِ عَنْهُ بِأنَّهُ مُهْتَدٍ التَّوْطِئَةُ إلى ذِكْرِ مُقابِلِهِ، وهو ﴿ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهم أوْلِياءَ﴾، كَما يُقالُ: مَن عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي ومَن لَمْ يَعْرِفْنِي فَأنا فُلانٌ.
ويَجُوزُ أنْ تَجْعَلَ التَّعْرِيفَ في قَوْلِهِ ﴿فَهُوَ المُهْتَدِي﴾ تَعْرِيفَ الجِنْسِ؛ فَيُفِيدُ قَصْرَ الهِدايَةِ عَلى الَّذِي هَداهُ اللَّهُ قَصْرًا إضافِيًّا، أيْ دُونَ مَن تُرِيدُ أنْتَ هَداهُ، وأضَلَّهُ اللَّهُ، ولا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى عَلى القَصْرِ الِادِّعائِيِّ الَّذِي هو بِمَعْنى الكَمالِ؛ لِأنَّ الهُدى المُرادَ هُنا هُدًى واحِدٌ، وهو الهُدى إلى الإيمانِ.
وحُذِفَتْ ياءُ ”المُهْتَدِي“ في رَسْمِ المُصْحَفِ؛ لِأنَّهم وقَفُوا عَلَيْها بِدُونِ ياءٍ، عَلى لُغَةِ مَن يَقِفُ عَلى الِاسْمِ المَنقُوصِ غَيْرِ المُنَوَّنِ بِحَذْفِ الياءِ، وهي لُغَةٌ فَصِيحَةٌ غَيْرُ جارِيَةٍ عَلى القِياسِ، ولَكِنَّها أُوثِرَتْ مِن جِهَةِ التَّخْفِيفِ لِثِقَلِ صِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ مَعَ ثِقَلِ حَرْفِ العِلَّةِ في آخِرِ الكَلِمَةِ، ورُسِمَتْ بِدُونِ ياءٍ؛ لِأنَّ شَأْنَ أواخِرِ الكَلِمِ أنْ تُرْسَمَ بِمُراعاةِ حالِ الوَقْفِ، وأمّا في حالِ النُّطْقِ في الوَصْلِ فَقَرَأها نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو بِإثْباتِ الياءِ في الوَصْلِ وهو الوَجْهُ، ولِذَلِكَ كَتَبُوا الياءَ في مَصاحِفِهِمْ بِاللَّوْنِ الأحْمَرِ، وجَعَلُوها أدَقَّ مِن بَقِيَّةِ الحُرُوفِ المَرْسُومَةِ
صفحة ٢١٦
فِي المُصْحَفِ؛ تَفْرِقَةً بَيْنِها وبَيْنَ ما رَسَمَهُ الصَّحابَةُ كُتّابُ المُصْحَفِ، والباقُونَ حَذَفُوا الياءَ في النُّطْقِ في الوَصْلِ إجْراءً لِلْوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ، وذَلِكَ - وإنْ كانَ نادِرًا في غَيْرِ الشِّعْرِ_ إلّا أنَّ الفُصَحاءَ يُجْرُونَ الفَواصِلَ مَجْرى القَوافِي، واعْتَبَرُوا الفاصِلَةَ كُلَّ جُمْلَةٍ تَمَّ بِها الكَلامُ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ تَمْثِيلُ سِيبَوَيْهِ في كِتابَةِ الفاصِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿واللَّيْلِ إذا يَسْرِ﴾ [الفجر: ٤] وقَوْلِهِ ﴿قالَ ذَلِكَ ما كُنّا نَبْغِ﴾ [الكهف: ٦٤]، وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ الكَبِيرُ المُتَعالِ﴾ [الرعد: ٩] في سُورَةِ الرَّعْدِ.والخِطابُ في ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهم أوْلِياءَ مِن دُونِهِ﴾ لِلنَّبِيءِ ﷺ؛ لِأنَّ هَذا الكَلامَ مَسُوقٌ لِتَسْلِيَتِهِ عَلى عَدَمِ اسْتِجابَتِهِمْ لَهُ، فَنَفْيُ وُجْدانِ الأوْلِياءِ كِنايَةٌ عَنْ نَفْيِ وُجُودِ الأوْلِياءِ لَهم؛ لِأنَّهم لَوْ كانُوا مَوْجُودِينَ لَوَجَدَهم هو وعَرَفَهم.
والأوْلِياءُ: الأنْصارُ، أيْ لَنْ تَجِدَ لَهم أنْصارًا يُخَلِّصُونَهم مِن جَزاءِ الضَّلالِ، وهو العَذابُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الأوْلِياءُ بِمَعْنى مُتَوَلِّي شَأْنِهِمْ، أيْ لَنْ تَجِدَ لَهم مَن يُصْلِحُ حالَهم؛ فَيَنْقُلُهم مِنَ الضَّلالِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿اللَّهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] .
وجَمْعُ (الأوْلِياءِ) بِاعْتِبارِ مُقابَلَةِ الجَمْعِ بِالجَمْعِ، أيْ لَنْ تَجِدَ لِكُلِّ واحِدٍ ولِيًّا، ولا لِجَماعَتِهِ، ولِيًّا، كَما يُقالُ: رَكِبَ القَوْمُ دَوابَّهم.
ومِن دُونِهِ أيْ غَيْرِهِ.
* * *
﴿ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا مَأْواهم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهم سَعِيرًا﴾ذَكَرَ المَقْصُودَ مِن نَفْيِ الوَلِيِّ أوِ المَآلِ لَهُ بِذِكْرِ صُورَةِ عِقابِهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ الآيَةَ.
صفحة ٢١٧
والحَشْرُ: جَمْعُ النّاسِ مِن مَواضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ إلى مَكانٍ واحِدٍ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَشْيَهم عُدِّيَ الحَشْرُ بِحَرْفِ (عَلى)؛ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى (يَمْشُونَ)، وقَدْ فَهِمَ النّاسُ ذَلِكَ مِنَ الآيَةِ فَسَألُوا النَّبِيءَ ﷺ «كَيْفَ يَمْشُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ ؟ فَقالَ: إنَّ الَّذِي أمْشاهم عَلى أقْدامِهِمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشِيَهم عَلى وُجُوهِهِمْ» .والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ الجَمْعُ بَيْنَ التَّشْوِيهِ، والتَّعْذِيبِ؛ لِأنَّ الوَجْهَ أرَقُّ تَحَمُّلًا لِصَلابَةِ الأرْضِ - مِنَ الرِّجْلِ.
وهَذا جَزاءٌ مُناسِبٌ لِلْجُرْمِ؛ لِأنَّهم رَوَّجُوا الضَّلالَةَ في صُورَةِ الحَقِّ، ووَسَمُوا الحَقَّ بِسِماتِ الضَّلالِ، فَكانَ جَزاؤُهم أنْ حُوِّلَتْ وُجُوهُهم أعْضاءَ مَشْيٍ عِوَضًا عَنِ الأرْجُلِ، ثُمَّ كانُوا ﴿عُمْيًا وبُكْمًا﴾ جَزاءَ أقْوالِهِمُ الباطِلَةِ عَلى الرَّسُولِ، وعَلى القُرْآنِ، وصُمًّا جَزاءَ امْتِناعِهِمْ مِن سَماعِ الحَقِّ، كَما قالَ تَعالى عَنْهُمْ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥]، وقالَ عَنْهم ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قالَ كَذَلِكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾ [طه: ١٢٥]، وقالَ عَنْهم ﴿ومَن كانَ في هَذِهِ أعْمى فَهو في الآخِرَةِ أعْمى﴾ [الإسراء: ٧٢] أيْ مَن كانَ أعْمى عَنِ الحَقِّ فَهو في الحَشْرِ يَكُونُ مَحْرُومًا مِن مُتْعَةِ النَّظَرِ، وهَذِهِ حالَتُهم عِنْدَ الحَشْرِ
والمَأْوى مَحَلُّ الأوْيِ، أيِ النُّزُولِ بِالمَأْوى، أيِ المَنزِلِ والمَقَرِّ.
وخَبَتِ النّارُ خُبُوًا وخَبْوًا: نَقَصَ لَهِيبُها.
والسَّعِيرُ: لَهَبُ النّارِ، وهو مُشْتَقٌّ مِن سَعْرِ النّارِ، إذا هُيِّجَ وقُودُها، وقَدْ جَرى الوَصْفُ فِيهِ عَلى التَّذْكِيرِ تَبَعًا لِتَذْكِيرِ اللَّهَبِ، والمَعْنى: زِدْناهم لَهَبًا فِيها.
وفِي قَوْلِهِ ﴿كُلَّما خَبَتْ زِدْناهم سَعِيرًا﴾ إشْكالٌ؛ لِأنَّ نارَ جَهَنَّمَ لا تَخْبُو، وقَدْ قالَ تَعالى ﴿فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ﴾ [البقرة: ٨٦]، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ الكَفَرَةَ وقُودٌ لِلنّارِ قالَ تَعالى ﴿وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ [البقرة: ٢٤] فَإذا أحْرَقَتْهُمُ النّارُ زالَ اللَّهَبُ الَّذِي كانَ مُتَصاعِدًا مِن أجْسامِهِمْ، فَلا يَلْبَثُونَ أنْ يُعادَوْا كَما كانُوا فَيَعُودَ الِالتِهابُ لَهم.
صفحة ٢١٨
فالخَبْوُ وازْدِيادُ الِاشْتِعالِ بِالنِّسْبَةِ إلى أجْسادِهِمْ لا في أصْلِ نارِ جَهَنَّمَ، ولِهَذِهِ النُّكْتَةِ سُلِّطَ فِعْلُ زِدْناهم عَلى ضَمِيرِ المُشْرِكِينَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ازْدِيادَ السَّعِيرِ كانَ فِيهِمْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: كُلَّما خَبَتْ فِيهِمْ زِدْناهم سَعِيرًا، ولَمْ يُقَلْ: زِدْناها سَعِيرًا.وعِنْدِي: أنَّ مَعْنى الآيَةِ جارٍ عَلى طَرِيقِ التَّهَكُّمِ، وبادِئِ الإطْماعِ المُسْفِرِ عَنْ خَيْبَةٍ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ ازْدِيادَ السَّعِيرِ مُقْتَرِنًا بِكُلِّ زَمانٍ مِن أزْمِنَةِ الخَبْوِ، كَما تُفِيدُهُ كَلِمَةُ (كُلَّما) الَّتِي هي بِمَعْنى كُلِّ زَمانٍ، وهَذا في ظاهِرِهِ إطْماعٌ بِحُصُولِ خَبْوٍ؛ لِوُرُودِ لَفْظِ الخَبْوِ في الظّاهِرِ، ولَكِنَّهُ يَئُولُ إلى يَأْسٍ مِنهُ، إذْ يَدُلُّ عَلى دَوامِ سَعِيرِها في كُلِّ الأزْمانِ؛ لِاقْتِرانِ ازْدِيادِ سَعِيرِها بِكُلِّ أزْمانِ خَبْوِها، فَهَذا الكَلامُ مِن قَبِيلِ التَّمْلِيحِ، وهو مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ﴾ [الأعراف: ٤٠]، وقَوْلُ إياسٍ القاضِي لِلْخَصْمِ الَّذِي سَألَهُ: عَلى مَن قَضَيْتَ ؟ فَقالَ: عَلى ابْنِ أُخْتِ خالِكَ.