﴿وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾

الأظْهَرُ أنَّهُ عَطْفٌ عَلى ﴿وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] مُخاطَبًا بِهِ المُسْلِمُونَ لِيَعْلَمُوا كَرامَةَ يَحْيى عِنْدَ اللَّهِ.

والسَّلامُ: اسْمُ الكَلامِ الَّذِي يُفاتِحُ بِهِ الزّائِرُ والرّاحِلُ، فِيهِ ثَناءٌ أوْ دُعاءٌ. وسُمِّيَ ذَلِكَ سَلامًا لِأنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلى الدُّعاءِ بِالسَّلامَةِ ولِأنَّهُ يُؤْذِنُ بِأنَّ الَّذِي أقْدَمَ هو عَلَيْهِ مُسالِمٌ لَهُ لا يَخْشى مِنهُ بَأْسًا. فالمُرادُ هُنا سَلامٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وهو ثَناءُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] . فَإذا عُرِّفَ السَّلامُ بِاللّامِ فالمُرادُ بِهِ مِثْلُ المُرادِ بِالمُنَكَّرِ أوْ مُرادٌ بِهِ العَهْدُ، أيْ سَلامٌ إلَيْهِ، كَما سَيَأْتِي في السَّلامِ عَلى عِيسى. فالمَعْنى: أنَّ إكْرامَ اللَّهِ مُتَمَكِّنٌ مِن أحْوالِهِ الثَّلاثَةِ المَذْكُورَةِ.

صفحة ٧٨

وهَذِهِ الأحْوالُ الثَّلاثَةُ المَذْكُورَةُ هُنا أحْوالُ ابْتِداءِ أطْوارٍ: طَوْرِ الوُرُودِ عَلى الدُّنْيا، وطَوْرِ الِارْتِحالِ عَنْها، وطَوْرِ الوُرُودِ عَلى الآخِرَةِ. وهَذا كِنايَةٌ عَلى أنَّهُ بِمَحَلِّ العِنايَةِ الإلَهِيَّةِ في هَذِهِ الأحْوالِ.

والمُرادُ بِاليَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمانِ الواقِعِ فِيهِ تِلْكَ الأحْوالُ.

وجِيءَ بِالفِعْلِ المُضارِعِ في ﴿ويَوْمَ يَمُوتُ﴾ لِاسْتِحْضارِ الحالَةِ الَّتِي ماتَ فِيها. ولَمْ تُذْكَرْ قِصَّةُ قَتْلِهِ في القُرْآنِ إلّا إجْمالًا.