Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْألُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقِبَةُ لِلتَّقْوى﴾ ذِكْرُ الأهْلِ هُنا مُقابِلٌ لِذِكْرِ الأزْواجِ في قَوْلِهِ: ﴿إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أزْواجًا مِنهُمْ﴾ [طه: ١٣١] فَإنَّ مِن أهْلِ الرَّجُلِ أزْواجَهُ، أيْ مِتْعَتُكَ ومِتْعَةُ أهْلِكَ الصَّلاةُ، فَلا تُلَفَّتُوا إلى زَخارِفِ الدُّنْيا. وأهْلُ الرَّجُلِ يَكُونُونَ أمْثَلَ مَن يَنْتَمُونَ إلَيْهِ.
ومِن آثارِ العَمَلِ بِهَذِهِ الآيَةِ في السُّنَّةِ ما في صَحِيحِ البُخارِيِّ: «أنَّ فاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - بَلَغَها أنَّ سَبْيًا جِيءَ بِهِ إلى النَّبِيءِ ﷺ فَأتَتْ تَشْتَكِي إلَيْهِ ما تَلْقى مِنَ الرَّحى تَسْألُهُ خادِمًا مِنَ السَّبْيِ فَلَمْ تَجِدْهُ. فَأخْبَرَتْ عائِشَةُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجاءَها النَّبِيءُ ﷺ وقَدْ أخَذَتْ وعَلِيٌّ مُضَّجَعَهُما، فَجَلَسَ في جانِبِ الفِراشِ وقالَ لَها ولِعَلِيٍّ: ألا أُخْبِرُكُما بِخَيْرٍ لَكُما مِمّا سَألْتُما: تُسَبِّحانِ وتَحْمَدانِ وتُكَبِّرانِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَذَلِكَ خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ» . وأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِما هو أعْظَمُ مِمّا يَأْمُرُ بِهِ أهْلَهُ وهو أنْ يَصْطَبِرَ عَلى الصَّلاةِ. والِاصْطِبارُ: الِانْحِباسُ، مُطاوِعٌ صَبْرَهُ: إذا حَبَسَهُ، وهو مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في إكْثارِهِ مِنَ الصَّلاةِ في النَّوافِلِ. قالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها صفحة ٣٤٣
والسُّؤالُ: الطَّلَبُ التَّكْلِيفِيُّ، أيْ ما كَلَّفْناكَ إلّا بِالعِبادَةِ؛ لِأنَّ العِبادَةَ شُكْرُ اللَّهِ عَلى ما تَفَضَّلَ بِهِ عَلى الخَلْقِ، ولا يَطْلُبُ اللَّهُ مِنهم جَزاءً آخَرَ. وهَذا إبْطالٌ لِما تَعَوَّدَهُ النّاسُ مِن دَفْعِ الجِباياتِ والخَراجِ لِلْمُلُوكِ وقادَةِ القَبائِلِ والجُيُوشِ. وفي هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزْقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ إنَّ اللَّهَ هو الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٦]، فَجُمْلَةُ ”﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾“ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿ورِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبْقى﴾ [طه: ١٣١] . والمَعْنى: أنَّ رِزْقَ رَبِّكَ خَيْرٌ وهو مَسُوقٌ إلَيْكَ. والمَقْصُودُ مِن هَذا الخِطابِ ابْتِداءً هو النَّبِيءُ ﷺ ويَشْمَلُ أهْلَهُ والمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّ المُعَلَّلَ بِهِ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُشْتَرِكٌ في حُكْمِهِ جَمِيعُ المُسْلِمِينَ. وجُمْلَةُ ”﴿والعاقِبَةُ لِلتَّقْوى﴾“ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ”﴿لا نَسْألُكَ رِزْقًا﴾“ المُعَلَّلُ بِها أمْرُهُ بِالِاصْطِبارِ لِلصَّلاةِ، أيْ إنّا سَألْناكَ التَّقْوى والعاقِبَةَ. وحَقِيقَةُ العاقِبَةِ: أنَّها كُلُّ ما يَعْقُبُ أمْرًا ويَقَعُ في آخِرِهِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، إلّا أنَّها غَلَبَ اسْتِعْمالُها في أُمُورِ الخَيْرِ. فالمَعْنى: أنَّ التَّقْوى تَجِيءُ في نِهايَتِها عَواقِبُ خَيْرٍ. واللّامُ لِلْمِلْكِ تَحْقِيقًا لِإرادَةِ الخَيْرِ مِنَ العاقِبَةِ؛ لِأنَّ شَأْنَ لامِ المِلْكِ أنْ تَدُلَّ عَلى نَوالِ الأمْرِ المَرْغُوبِ، وإنَّما يَطَّرِدُ ذَلِكَ في عاقِبَةِ خَيْرِ الآخِرَةِ. وقَدْ تَكُونُ العاقِبَةُ في خَيْرِ الدُّنْيا أيْضًا لِلتَّقْوى.
صفحة ٣٤٤
وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِما فِيها مِن مَعْنى العُمُومِ. أيْ لا تَكُونُ العاقِبَةُ إلّا لِلتَّقْوى. فَهَذِهِ الجُمْلَةُ أُرْسِلَتْ مَجْرى المَثَلِ.