Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٣٧
﴿أمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هم يُنْشِرُونَ﴾”أمْ“ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ عاطِفَةٌ الجُمْلَةَ عَلى الجُمْلَةِ عَطْفَ إضْرابٍ انْتِقالِيٍّ هو انْتِقالٌ مِن إثْباتِ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وحُجِّيَّةِ دَلالَةِ القُرْآنِ إلى إبْطالِ الإشْراكِ، انْتِقالًا مِن بَقِيَّةِ الغَرَضِ السّابِقِ الَّذِي تَهَيَّأ السّامِعُ لِلِانْتِقالِ مِنهُ بِمُقْتَضى التَّخَلُّصِ الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ ومَن عِنْدَهُ﴾ [الأنبياء: ١٩] كَما تَقَدَّمَ، إلى التَّمَحُّضِ لِغَرَضِ إبْطالِ الإشْراكِ وإبْطالِ تَعَدُّدِ الآلِهَةِ. وهَذا الِانْتِقالُ وقَعَ اعْتِراضًا بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠] وجُمْلَةِ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣] ولَيْسَ إضْرابُ الِانْتِقالِ بِمُقْتَضٍ عَدَمَ الرُّجُوعِ إلى الغَرَضِ المُنْتَقَلِ إلَيْهِ، و”أمْ“ تُؤْذِنُ بِأنَّ الكَلامَ بَعْدَها مَسُوقٌ مَساقَ الِاسْتِفْهامِ وهو اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ، أنْكَرَ عَلَيْهِمُ اتِّخاذَهم آلِهَةً.
وضَمِيرُ ”اتَّخَذُوا“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ المُتَبادَرِينَ مِنَ المَقامِ في مِثْلِ هَذِهِ الضَّمائِرِ. ولَهُ نَظائِرُ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ. ويَجُوزُ جَعْلُهُ التِفاتًا عَنْ ضَمِيرِ ﴿ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨]، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُتَناسِقًا مَعَ ضَمائِرِ ﴿بَلْ قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ﴾ [الأنبياء: ٥] وما بَعْدَهُ.
ووَصْفُ الآلِهَةِ بِأنَّها مِنَ الأرْضِ تَهَكُّمٌ بِالمُشْرِكِينَ، وإظْهارٌ لِأفَنِ رَأْيِهِمْ، أيْ جَعَلُوا لِأنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِن عالَمِ الأرْضِ أوْ مَأْخُوذَةً مِن أجْزاءِ الأرْضِ مِن حِجارَةٍ أوْ خَشَبٍ - تَعْرِيضًا بِأنَّ ما كانَ مِثْلَ ذَلِكَ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يَكُونَ مَعْبُودًا، كَما قالَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ”﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥]“ في الصّافّاتِ.
وذِكْرُ الأرْضِ هُنا مُقابَلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ”ومَن عِنْدَهُ“؛ لِأنَّ المُرادَ أهْلُ السَّماءِ، وجُمْلَةُ ”﴿هم يُنْشِرُونَ﴾“ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ ”آلِهَةً“،
صفحة ٣٨
واقْتِرانُها بِضَمِيرِ الفَصْلِ يُفِيدُ التَّخْصِيصَ أنْ لا يَنْشُرَ غَيْرَ تِلْكَ الآلِهَةِ.والمُرادُ: إنْشارُ الأمْواتِ، أيْ بَعْثُهم. وهَذا مَسُوقٌ لِلتَّهَكُّمِ وإدْماجٌ لِإثْباتِ البَعْثِ بِطَرِيقَةِ سَوْقِ غَيْرِهِ المُسَمّى بِتَجاهُلِ المَعارِفِ، إذْ أبْرَزَ تَكْذِيبَهم بِالبَعْثِ الَّذِي أخْبَرَهُمُ اللَّهُ عَلى لِسانِ مُحَمَّدٍ ﷺ في صُورَةِ تَكْذِيبِهِمِ اسْتِطاعَةَ اللَّهِ ذَلِكَ وعَجْزَهُ عَنْهُ، أيْ أنَّ الأوْلى بِالقُدْرَةِ عَلى البَعْثِ شُرَكاؤُهم، فَكانَ وُقُوعُ البَعْثِ أمْرٌ لا يَنْبَغِي النِّزاعُ فِيهِ، فَإنْ نازَعَ فِيهِ المُنازِعُونَ فَإنَّما يُنازِعُونَ في نِسْبَتِهِ إلى اللَّهِ، ويَرُومُونَ بِذَلِكَ نِسْبَتَهُ إلى شُرَكائِهِمْ فَأُنْكِرَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ النِّسْبَةُ عَلى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ المُفْعَمَةِ بِالنُّكَتِ، والمُشْرِكُونَ لَمْ يَدَّعُوا لِآلِهَتِهِمْ أنَّها تَبْعَثُ المَوْتى، ولا هم مُعْتَرِفُونَ بِوُقُوعِ البَعْثِ، ولَكِنْ نُزِّلُوا مَنزِلَةَ مَن يَزْعُمُ ذَلِكَ إبْداعًا في الإلْزامِ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ النَّحْلِ في ذِكْرِ الآلِهَةِ ﴿أمْواتٌ غَيْرُ أحْياءٍ وما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] .