﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا يُوحى إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾

لَمّا أظْهَرَ لِرَسُولِهِ أنَّ المُعانِدِينَ لا يَعْلَمُونَ الحَقَّ لِإعْراضِهِمْ عَنْ تَلَقِّيهِ أقْبَلَ عَلى رَسُولِهِ ﷺ بِتَأْيِيدِ مَقالِهِ الَّذِي لَقَّنَهُ أنْ يُجِيبَهم بِهِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكم هَذا ذِكْرُ مَن مَعِي وذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤]، فَأفادَ تَعْمِيمَهُ في شَرائِعِ سائِرِ الرُّسُلِ سَواءٌ مَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتابٌ ومَن لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ كِتابٌ، وسَواءٌ مَن كانَ كِتابُهُ باقِيًا مِثْلَ مُوسى وعِيسى وداوُدَ ومَن لَمْ يَبْقَ كِتابُهُ مِثْلَ إبْراهِيمَ.

صفحة ٤٩

ولَيْسَ ذِكْرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ لِمُجَرَّدِ تَقْرِيرِ ما قَبْلَها مِن آيِ التَّوْحِيدِ وإنْ أفادَتِ التَّقْرِيرَ تَبَعًا لِفائِدَتِها المَقْصُودَةِ. وفِيها إظْهارٌ لِعِنايَةِ اللَّهِ تَعالى بِإزالَةِ الشِّرْكِ مِن نُفُوسِ البَشَرِ، وقَطْعِ دابِرِهِ إصْلاحًا لِعُقُولِهِمْ بِأنْ يُزالَ مِنها أفْظَعُ خَطَلٍ وأسْخَفُ رَأْيٍ، ولَمْ تَقْطَعْ دابِرَ الشِّرْكِ شَرِيعَةٌ كَما قَطَعَهُ الإسْلامُ بِحَيْثُ لَمْ يَحْدُثِ الإشْراكُ في هَذِهِ الأُمَّةِ.

وحَرْفُ ”مِن“ في قَوْلِهِ تَعالى: ”﴿مِن رَسُولٍ﴾“ مَزِيدٌ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ.

وفَرَّعَ فِيما أُوحِيَ إلَيْهِمْ أمْرَهُ إيّاهم بِعِبادَتِهِ عَلى الإعْلانِ بِأنَّهُ لا إلَهَ غَيْرُهُ، فَكانَ اسْتِحْقاقُ العِبادَةِ خاصًّا بِهِ تَعالى.

وقَرَأ الجُمْهُورُ إلّا يُوحى إلَيْهِ بِمُثَنّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلنّائِبِ، وقَرَأهُ حَفْصُ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، والِاسْتِثْناءُ المُفَرَّعُ في مَوْضِعِ الحالِ.