﴿ولُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا ونَجَّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ﴾ ﴿وأدْخَلْناهُ في رَحْمَتِنا إنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ .

عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ [الأنبياء: ٥١] . وقَدَّمَ مَفْعُولَ (آتَيْناهُ) اهْتِمامًا بِهِ لِيُنَبِّهَ عَلى أنَّهُ مَحَلُّ العِنايَةِ إذْ كانَ قَدْ تَأخَّرَ ذِكْرُ قِصَّتِهِ بَعْدَ أنْ جَرى ذِكْرُهُ تَبَعًا لِذِكْرِ إبْراهِيمَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ بُعِثَ بِشَرِيعَةٍ خاصَّةٍ، وإلى قَوْمٍ غَيْرِ القَوْمِ الَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِمْ إبْراهِيمُ، وإلى أنَّهُ كانَ في مُواطِنَ غَيْرِ المَواطِنِ الَّتِي حَلَّ فِيها إبْراهِيمُ، بِخِلافِ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ في ذَلِكَ كُلِّهِ.

‌‌‌‌‌‌‌‌

صفحة ١١٢

ولِأجْلِ البُعْدِ أُعِيدَ فِعْلُ الإيتاءِ لِيَظْهَرَ عَطْفُهُ عَلى ﴿آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ [الأنبياء: ٥١] . ولَمْ يُعَدْ في قِصَّةِ نُوحٍ عَقِبَ هَذِهِ.

وأُعْقِبَتْ قِصَّةُ إبْراهِيمَ بِقِصَّةِ لُوطٍ لِلْمُناسَبَةِ. وخُصَّ لُوطٌ بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ الرُّسُلِ لِأنَّ أحْوالَهُ تابِعَةٌ لِأحْوالِ إبْراهِيمَ في مُقاوَمَةِ أهْلِ الشِّرْكِ والفَسادِ، وإنَّما لَمْ يَذْكُرْ ما هم عَلَيْهِ قَوْمُ لُوطٍ مِنَ الشِّرْكِ اسْتِغْناءً بِذِكْرِ الفَواحِشِ الفَظِيعَةِ الَّتِي كانَتْ لَهم سُنَّةً فَإنَّها أثَرٌ مِنَ الشِّرْكِ.

والحُكْمُ: الحِكْمَةُ، وهو النُّبُوءَةُ، قالَ تَعالى ﴿وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] .

والعِلْمُ: عِلْمُ الشَّرِيعَةِ، والتَّنْوِينُ فِيهِما لِلتَّعْظِيمِ.

والقَرْيَةُ سَدُومُ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ في سُورَةِ هُودٍ. والمُرادُ مِنَ القَرْيَةِ أهْلُها كَما مَرَّ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] في سُورَةِ يُوسُفَ.

والخَبائِثُ: جَمْعُ خَبِيثَةٍ بِتَأْوِيلِ الفِعْلَةِ، أيِ الشَّنِيعَةِ. والسَّوْءُ بِفَتْحِ السِّينِ وسُكُونِ الواوِ مَصْدَرٌ، أيِ القَبِيحُ المَكْرُوهُ، وأمّا بِضَمِّ السِّينِ فَهو اسْمُ مَصْدَرٍ لِما ذُكِرَ وهو أغَمُّ مِنَ المَفْتُوحِ لِأنَّ الوَصْفَ بِالِاسْمِ أضْعَفُ مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ.