صفحة ٢١٥

﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هو الضَّلالُ البَعِيدُ﴾

جُمْلَةُ ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ﴾ إلَخْ حالٌ مِن ضَمِيرِ (انْقَلَبَ) . وقَدَّمَ الضَّرَّ عَلى النَّفْعِ في قَوْلِهِ (﴿ما لا يَضُرُّهُ﴾) إيماءً إلى أنَّهُ تَمَلَّصَ مِنَ الإسْلامِ تَجَنُّبًا لِلضُّرِّ لِتَوَهُّمِهِ أنَّ ما لَحِقَهُ مِنَ الضُّرِّ بِسَبَبِ الإسْلامِ وبِسَبَبِ غَضَبِ الأصْنامِ عَلَيْهِ، فَعادَ إلى عِبادَةِ الأصْنامِ حاسِبًا أنَّها لا تَضُرُّهُ. وفي هَذا الإيماءِ تَهَكُّمٌ بِهِ يَظْهَرُ بِتَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى (﴿وما لا يَنْفَعُهُ﴾) أيْ فَهو مُخْطِئٌ في دُعائِهِ الأصْنامَ لِتُزِيلَ عَنْهُ الضُّرَّ فَيَنْتَفِعَ بِفِعْلِها. والمَعْنى: أنَّها لا تَفْعَلُ ما يَدْفَعُ ضُرًّا ولا ما يَجْلِبُ نَفْعًا. والإشارَةُ في قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ هو الضَّلالُ﴾ إلى الدُّعاءِ المُسْتَفادِ مِن (يَدْعُو) .

والقَوْلُ في اسْمِ الإشارَةِ وضَمِيرِ الفَصْلِ والقَصْرِ مِثْلُ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ﴾ [الحج: ١١] .

والبَعِيدُ: المُتَجاوِزُ الحَدَّ المَعْرُوفَ في مَدى الضَّلالِ، أيْ هو الضَّلالُ الَّذِي لا يُماثِلُهُ ضَلالٌ لِأنَّهُ يَعْبُدُ ما لا غَناءَ لَهُ.